83يعبدون الله ويتوجّهون إلى الكعبة، فوجود الحاجز لم يمنعهم من هذا كلّه.
والذي يؤيّد ذلك أنّ شرّاح الحديث فهموا ما ذكرنا، يقول القسطلاني في كتاب «إرشاد الساري»: إنّما صوّروا أوائلهم
الصّور ليستأنسوا بها ويتذكّروا أفعالهم الصالحة، فيجتهدوا كاجتهادهم ويعبدوا الله عند قبورهم، ثمّ خلفهم قوم جهلوا مرادهم، ووسوس لهم الشيطان أنّ أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها، فحذَّر النبي عن مثل ذلك.
إلى أن يقول: قال البيضاوي: لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها واتّخذوها أوثاناً، مُنع المسلمون في مثل ذلك، فأمّا مَن اتّخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرّك بالقرب منه - لا للتعظيم ولا للتوجّه إليه - فلا يدخل في الوعيد المذكور. 1
ويقول النووي في شرح صحيح مسلم: قال العلماء إنّما نهى النبيّ(ص) عن اتّخاذ قبره وقبر غيره مسجداً، خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربّما أدّى ذلك إلى الكفر، كما جرى لكثير من الأُمم الخالية، ولمّا احتاجت الصحابة والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله(ص) حين كثر المسلمون وامتدّت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أُمّهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة، مدفن رسول الله(ص) وصاحبيه بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله، لئلا يظهر في المسجد فيصلّي إليه العوام... ولهذا قالت عائشة في الحديث: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أنّه خُشي أن يُتّخذ مسجداً. 2
مع هذه القرائن ومع ما فهمه شرّاح الحديث لا يمكن الاستدلال به على منع الصلاة عند قبور الصالحين.
وفي ختام المطاف نذكر أمرين: