35هو أيضاً في دائرة هذا الخطأ، إلاّ إذا اعتبر كلامه هو الدين بعينه، وهو مالا يصح قوله، وإن كان يؤكّد ذلك من خلال طرحه.
ويمكن للقارئ أن يتأمّل تقييد ابن حنبل كلامه بقوله: إلاّ أن يكون في ذلك حديث.
ومعنى هذا الكلام أنّه لو وجد رواية صحّت في نظره تقول بكفر أصحاب الذنوب والكبائر لدان بها، وهو بهذا يعلّق أفكاره وعقائده بالروايات، ويميل معها حيث مالت، فلا مجال عنده للاجتهاد، أو استخدام العقل، أو حتّى اللجوء لكتاب الله مادامت هناك رواية .
وتلك هي أزمة الحنابلة .
وأزمة الوهّابيّين وفِرَقهم من بعدهم.
لقد أقاموا ديناً على أساس الروايات، وان خالف هذه الروايات مع القرآن والعقل، لا مجال فيه للحوار والعقل والرحمة والاعتدال والحرية.
أقاموا ديناً معالمه: الانغلاق، والغلظة، والتطرّف، واستحلال الآخر، وتبنّي عقل الماضي.
ثمّ يقول ابن حنبل: والخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان، ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها ولا يخرج عليهم، ولا نُقرّ لغيرهم بها إلى قيام الساعة. والجهاد ماضٍ قائم مع الأئمّة - الحكّام - برّوا أو فجروا، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والجمعة والعيدان والحج مع السلطان، وإن لم يكونوا بررة عدولاً أتقياء، ودفع العشور والصدقات والخراج والفيء والغنائم إلى الأُمراء، عدلوا فيها أم جاروا، والانقياد إلى مَن ولاه الله أمركم، لا تنزع يداً من طاعته، ولا تخرج عليه بسيفك حتّى يجعل الله لك فَرَجاً ومخرجاً، ولا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعة، فمَن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة.