34يقول: والقدر خيره وشرّه، وحلوه ومرّه، وحسنه وسيّئه من الله قضاءً قضاه، وقدراً قدّره عليهم، لا يعدو واحداً منهم مشيئة الله عزّ وجلّ، ولا يجاوز قضاؤه، بل هم كلّهم صائرون إلى ما خلقهم له، واقعون فيما قدّر عليهم لأفعاله، وهو عدل منه عزّ وجلّ.
والزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك بالله والمعاصي كلّها بقضاء وقدر من غير أن يكون لأحد من الخلق على الله حجّة، بل لله الحجّة البالغة على خلقه، لا يسأل عمّا يفعل وهم يُسألون.
وهذا الكلام يصطدم بعدل الله سبحانه في خلقه ولطفه بهم، ويناقض فكرة العدل الإلهي التي تبنّتها الاتّجاهات الأُخرى وفي مقدّمتها: الشيعة والمعتزلة، ورفضه لا يعني الاصطدام بالدين وأُصوله، بل الاصطدام بنهج الحنابلة وأفكارهم.
إلاّ أنّ الحنابلة اعتبروا الاصطدام بأفكارهم يعني الاصطدام بالدين، وبرّر لهم هذا الاعتقاد الحكم على مخالفيهم بالزيغ والضلال والزندقة، بل تعدّوا هذا الموقف النظري إلى الموقف الحركي، فقاموا بالاعتداء على خصومهم والتنكيل بهم ما بين الحين والآخر، وقد كثرت حوادثهم في بغداد وغيرها كما سوف نبيّن.
يقول ابنُ حنبل: مَن زعم أنّ السرقة وشرب الخمر وأكل المال الحرام وقتل النفس ليس بقضاء وقدر فقد زعم أنّ هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره، وهذا صراح قول المجوسية، وأيّ كفر أوضح من هذا.
والغريب أنّ ابن حنبل ناقض نفسه بقوله: ولا نشهد على أحد من أهل القِبلة أنّه في النار لذنبٍ عمله، ولا لكبيرةٍ أتاها إلاّ أن يكون في ذلك حديث.
وهو بهذا القول قد أدان نفسه، وأصبح لا يجوز له أن يطعن في الآخرين، ويتّهمهم بالمروق من الدين، ما داموا من أهل القِبلة، وما يخالفونه فيه لا يُعدّ من الذنوب أو من الكبائر، وإذا كان من الممكن أن يكون مخالفيه في دائرة الخطأ، فمن الممكن أن يكون