36ومعتمد ابن حنبل في هذا الكلام الذي تفوح منه رائحة السياسة، ولا أثر فيه لرائحة الدين، هو الروايات التي أقلّ ما يُقال فيها إنّها من صُنع السياسة.
ومخالفة هذا الكلام أمر محمود، فلا يجوز أن يكون الدين وسيلةً لتبرير الظلم والفساد والإرهاب وإضفاء المشروعية على الحكّام وإن فجروا وفسقوا وأصبحوا بلاءً على البلاد والعباد.
ولا يجوز لابن حنبل أن ينسب مثل هذا الكلام للدين ويجعله من المعتقدات الملزِمة للمسلمين، ويدّعي أنّه محلّ إجماع الأُمّة، والسلف قد باركوه.
من هنا فإنّ الحكم على الرافضين لهذا الكلام بأنّهم مبتدعة مفارقين للجماعة إنّما هو حكم سياسي لا ديني.
وابن حنبل ينطق هنا بلسان الحكّام لا بلسان الدين.
ومرّةً أُخرى يعود ابن حنبل إلى القول: والكف عن أهل القِبلة، ولا نكفّر أحداً منهم بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل إلاّ أن يكون في ذلك حديث.
إلاّ أنّه يضيف هذه المرّة: أو يبتدع بدعة ينسب إلى صاحبها الكفر والخروج من الإسلام، فاتّبع الأثر في ذلك ولا تتجاوزه.
وهذا الكلام إنّما اختُرع لمواجهة حالات التمرّد والرفض والغليان الذي ساد أوساط المسلمين في زمن ابن حنبل تجاه فساد الحكّام ومظالمهم ومنكراتهم.
وابن حنبل استسلم للفساد والانحراف السائد في عصره وبرّره ودافع عنه، واحتجّ على موقفه السلبي هذا بالروايات غير المسلَّم بها عند التيّارات الأُخرى، ومن جانبٍ آخر احتجّ بأنّه لا توجد آثار توجب مواجهة مثل هذه الحالات.
وعلى هذا الأساس يُعدّ جميع المخالفين لهذه الرؤية من أهل البِدَع التي يقدّرها ابن حنبل بقدرها، فأقوال الجهمية والشيعة والمعتزلة بدعة ينسب إلى صاحبها الكفر والخروج عن الإسلام.