26كانت الرواية هي حياته وشغله الشاغل، وحيثما توجّهه الرواية كان يتوجّه؛ حتّى أنّه اعتبر تبنّي الرواية الضعيفة والأخذ بها خيراً من استخدام العقل واللجوء للرأي.
وتشكّلت شخصيّته وعقيدته على أساس هذه الروايات التي كانت سلاحه الأوّل والأخير في مواجهة المخالفين.
وعندما تبنّى المأمون نهج المعتزلة في نهاية حكمه خرج ابن حنبل رافعاً لواء المعارضة لفكر المعتزلة الذي يرجّح العقل على الرواية، معتبراً أنّ هذا الاتّجاه يشكّل خطورةً على عقيدة السلف وعلى الرواية.
وابن حنبل كان يشعر على الدوام بخطورة المعتزلة والاتّجاهات الأُخرى على طرحه وعلى الروايات، إلاّ أنّه لم يظهر العداء في مواجهة هذه الاتّجاهات لضعفها أمام تيّار الرواية الذي كان سائداً آنذاك، بالإضافة إلى تيّار الفقهاء المدعوم من قِبَل الحكّام.
ولقد شكّل حدث تبنّي المأمون نهج المعتزلة انقلاباً دينياً في نظر ابن حنبل، نقل المعتزلة من طور الاستضعاف إلى طور التمكّن، وفتح الأبواب أمامهم ليسودوا على حساب أهل السنّة، ويهدموا صرح الرواية الذي أسهم فقهاء السلطة في تأسيسه منذ عشرات السنين.
وهكذا أعلن ابن حنبل رفضه لفكرة خلق القرآن، التي يتبنّاها الشيعة والمعتزلة، وشكّل هذا الرفض تحدّياً لسلطة المأمون الذي أمر بالقبض عليه، فأُحضر مكبّلاً بالأغلال إليه في طرسوس، لكنّ القدر أنقذه من يد المأمون؛ إذ جاءه الخبر بوفاته وهو في الطريق إليه، فأُعيد إلى بغداد ووُضع في السجن، ثمّ مَثُلَ أمام المعتصم الخليفة الجديد وجرت له محاكمة.
وأصرّ ابن حنبل على موقفه برفض القول بخلق القرآن فضُرب بشدّة وأُعيد إلى