54وسميتُ عند بعضهم ب- «صاحب المقال المحمود» إشارة إلى قولي هذا لرسولالله(ص) ودفع مقالي ذاك أيضاً الأنصار إلى قولهم: فتمنينا نحن لو أنّا قلنا كما قال المقداد، أحبُّ إلينا من أن يكون لنا مالٌ عظيم....
كما حمل موقفي ذاك وقولي كبارَ الصحابة على الإشادة به وإكباره وتمنوه، فهذا الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود يقول: لقد شهدت من المقداد مشهداً لأن أكون أنا صاحبه أحبّ إليّ مما في الأرض من شيء; كان رجلاً فارساً، وكان رسول الله(ص) إذا غضب احمارّت وجنتاه، فأتاه المقداد على تلك الحال، فقال: «أبشر يا رسول الله! فوالله لانقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى(ع):
( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقٰاتِلاٰ إِنّٰا هٰاهُنٰا قٰاعِدُونَ )
ولكن والذي بعثك بالحق... لنكوننّ من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك، أو يفتح الله لك.
ثم قام سعد بن معاذ عن الأنصار فقال:... بأبي وأُمي يا رسول الله! إنّا قد آمنّا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عندالله فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، واترك منها ما شئت، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعلّ الله عزّوجلّ أن يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله.
ففرح رسول الله(ص) بما سمع من أصحابه، وقال: «سيروا على بركة الله، فإنّ الله عزّوجلّ قد وعدني إحدى الطائفتين، ولن يخلف الله وعده، والله لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وفلان وفلان...».
ثمّ أمرنا(ص) بالتوجه إلى بدر الذي نزلناه عشاء ليلة السابع عشر من رمضان، وكانت الآبار ومنابع الماء إلى جانب المسلمين، وكان عددنا 300 رجل كنتُ الفارس الوحيد فيهم، فيما كان عدد المشركين قرابة ألف رجل.. فيهم من الفرسان عدد كثير.
كانت عيوننا متجهة صوب رسول الله(ص) وهو يناجي ربَّه ويدعوه:
«أللّهمّ هذه قريش قد أقبلت بخُيلائها وفخرها، تحادك، وتكذب رسولك، أللّهمّ فنصرك الذي وعدتني...».