55واشتدّ أوار المعركة، وخفقت رايات القتال ولمعت الأسنة والسيوف، وعندها تيقنتُ أنّ الفروسية في الإسلام غيرها في الجاهلية، وتعلمتُ وقتها الفرق بينها وهي تحمل راية الحق وتدافع عنه، وبينها وهي تحمل راية الضلال وتدافع عن الباطل، إنّ لها حلاوة وطعماً حينما تكون دفاعاً عن المبدإ الحق والعقيدة الصحيحة، لا دفاعاً ولا قتالاً من أجل الثأر والنهب والسطو.
إنّه القتال والجهاد والنضال المقدس الذي تعلّمته وإخواني من الإسلام ونبي الإسلام، قتال عظيم هذا الذي ترعاه السماء بآيات القرآن وبإمدادها الرباني، ويرعاه رسول الله(ص) بدعواته التي لا يحجبها عن السماء شيء ولا يمنعها مانع، وتتخلله استغاثة المؤمنين....
( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجٰابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاٰئِكَةِ مُرْدِفِينَ ). 1
والرسول(ص) يقول:
«والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلاّ أدخله الله الجنة».
فكانت تلك الآيات وهذهِ الكلمات باعثاً عظيماً قوياً لنا، يثبت أقدامنا ويشدّ عزمنا نحو الشهادة... فكان النصر حليفنا، وكان القتل وكانت الهزيمة والعار والذل يلاحق المشركين، الذين تركوا كبار زعمائهم صرعى على أرض المعركة ينتظرهم القليب الذي أمر بحفره رسول الله لتلقى به جثثهم، كما وقع آخرون أسرى، منهم النضر بن الحارث بن علقمة الذي يكنّى أبا القائد وقع أسيراً بيدي، وكان أشدّ قريش تكذيباً للنبي(ص) وأذًى لأصحابه، كما كان ينظر في كتب الفرس ويخالط اليهود والنصارى وهو من الذين قالوا:
( وَ أَقْسَمُوا بِاللّٰهِ جَهْدَ أَيْمٰانِهِمْ لَئِنْ جٰاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ نَذِيرٌ مٰا زٰادَهُمْ إِلاّٰ نُفُوراً . 2
وهو الذي نزلت فيه هذه الآية: