53كنا نزداد قوّة أمام قوّتها، وشموخاً عظيماً وعزّةًض إزاءَ طغيانها وجبروتها.
ولما رأى رسول الله(ص) ما حلّ بنا، واشتداد أذى قريش علينا وملاحقتها لنا أمرنا بالهجرة إلى الحبشة حيث قال: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإنّ بها مَلِكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم مخرجاً مما أنتم فيه...».
فكنتُ مع نحو ثمانين من المهاجرين، ممن وطأت أقدامهم أرض الحبشة حيث وجدنا ما قاله لنا رسول الله(ص) مَلِكاً عادلاً، أحسن ضيافتنا، ورفض تسليمنا إلى وفد المشركين من قريش الذي اتبعنا... ثمّ عدنا إلى مكة، ودخلها كلّ واحد منّا تحت أمان وعهد زعيم من زعمائها، وكبير من كبرائها، فعدتُ مرّة اخرى حليفاً لأحدهم....
هاجر رسول الله(ص) إلى يثرب، وتبعه جمع من الصحابة، ولم أتمكن من اللحاق به(ص) حتى أعدت قريش سرية قتال التحقتُ بها مع صاحبي - عتبة بن غزوان - وكان هدفهم قتال سرية أرسلها رسول الله(ص) بقيادة حمزة بن عبدالمطلب، فلما اقتربنا منها انحزنا إليها، والتحقنا بإخواننا الذين سبقونا إلى يثرب.
وفي المدينة لم يدم انتظارنا لقتال المشركين طويلاً حيث تناهت إلينا أخبار عن استعداد مشركي مكة لقتالنا، وجاءوا بجيش فاق عددنا كثيراً، فأقبل رسولالله(ص) علينا ونحن مجتمعون يحدث بعضُنا بعضاً عن الأخبار تلك، وقال:
«.. هذه مكة قد ألقت إليكم أفذاذ أكبادها.. فما ترون في قتالهم؟» فتحدث عدد من الصحابة حتى جاء دوري فقلتُ:
يا رسولَ الله! امضِ لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى(ع):
( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقٰاتِلاٰ إِنّٰا هٰاهُنٰا قٰاعِدُونَ )
ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرتَ بنا إلى برك الغِماد (أو تل العماد، يعني مدينة الحبشة) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه،.. فاستبشر رسول الله بذلك، وأشرق وجهه، ودعا لي بخير.