36ياأباالفضل، إنّ هذا أمر لم نكن نعرفه فيكم!
قال: أجل، والله، ما تعرفون هذا؟
فقلنا: من يكون هؤلاء؟
قال: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله، والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته، والغلام عليّ بن أبي طالب؛ أما والله ما على وجه الأرض أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلاّ هؤلاء الثلاثة.
فعدتُ إلى عملي، وقد شُغلت نفسي بما رأت؛ وما هي إلاّ أيام حتّى أتيتُ النبيَّ(ص)، وأسلمتُ على يديه مبكراً، فكنت من السابقين الأوّلين، حيث كنتُ سادس ستة ما على وجه الأرض مسلمٌ غيرنا.
كما كنتُ أول مَن جهر بالقرآن الكريم بعد رسول الله(ص) في مكّة؛ قرأت منه آيات بيّنات، فراحت تدوي في سماء الكعبة، وأفق مكّة البعيد، بعد أن اجتمع - يوماً - أصحاب رسول الله(ص)، فقالوا: والله، ما سمعت قريش بهذا القرآن يُجهر لهابه قطّ، فمن رجل يُسمعهموه؟ فقلت: أنا.
قالوا: إنّا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه. فقلتُ: دعوني، فإنّ الله سيمنعني.
وغدوت من فوري حتّى أتيتُ المقام في الضحى، وما إن صرتُ على بعد خطوات من زعماء قريش، وهم في أنديتهم حتّى صحتُ بصوت عال تجاوبت أصداؤه: بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ *الرَّحْمٰنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسٰانَ* عَلَّمَهُ الْبَيٰانَ 1وأخذتُ أقرأ هذه السورة المباركة، فيما راح كلّ زعيم من زعماء قريش - الذين ذهلوا واُدهشوا، وكأن صاعقة نزلت عليهم من غرابة ما يسمعون - يلتفت للآخر سائلا؟ ما يقول ابنُ أمّ عبد؟! ويأتيه الجواب: إنّه يتلو بعض ما جاء به محمد؛ وفجأة أسرعوا نحوي وملامح الغضب الذي تملكهم قد ارتسمت على وجوههم، ثمّ انهالوا عليَّ بأيديهم وعصيّهم، وقد غادرت الرحمة