37قلوبهم، وأنا أقرأ دون توقف حتّى بلغتُ من السورة ما شاء الله أن أبلغ، ثمّ انصرفتُ إلى أصحابي، وقد أُدمي رأسي من كثرة الجراح.
قالوا: هذا الذي خشينا عليك.
قلتُ: ما كان أعداءُ الله أهونَ عليَّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينّهم بمثلها.
فقالوا: لا، حسبك، فقد أسمعتهم ما يكرهون.
لقد كان زعماء الشرك يتربّصون الدوائر بكلّ مؤمن بالإسلام، وبكلّ صادح بآيات القرآن الذي يطعن عقائدهم الضالة، ويسفّه عقولهم، ولهذا تراهم لا يكتفون بإرسال عيونهم لمتابعتنا ومراقبتنا بل يتابعوننا بأنفسهم. وأذكر أنّي ذهبتُ وسعد بن أبي وقاص، وعمار بن ياسر، وخباب بن الأرت، وسعيد بن زيد لنُصلي بعيداً عن عيونهم، في شعب من شعاب مكة، فإذا بنفر من مشركي مكة منهم أبوسفيان بن حرب والأخنس بن شريق وغيرهما يطّلعون علينا، سبونا وعابونا، فحدث بيننا وبينهم عراك، وكان بيد سعد بلحى جمل ضرب به أحد رجالهم فشجّ رأسه، فكان أول دم اريق منهم في الإسلام.
ولما رأى رسول الله(ص) ما حلّ بنا من البلاء، وما يُصيبنا من العذاب على أيدي قريش، قال:
«لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإنّ فيها ملكاً لا يُظلَم أحدٌ عنده، وهي أرض صدق، حتّى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه» ؛ فكانت أول هجرة لي; وبعد عودتي منها هاجرتُ إلى يثرب حيث كان رسول الله(ص) قد سبقنا إليها، فنلتُ بذلك وسام الهجرتين، فوسام البدريّين عندما شاركت في معركة بدر الكبرى، وكان النصر حليف المؤمنين وهم قلة، والهزيمة والذلّ نصيب المشركين وهم كثرة.
وقد أمر رسول الله(ص) أن يُلتمس أبوجهل الذي أصابه معوّذ بن عفراء، فعدتُ إلى ساحة المعركة، وأجلتُ نظري فيها، فوجدتُ أبا جهل في آخر رمق من حياته الآثمة، التي كان من فصولها: الإعتداء على رسول الله(ص) وتعذيب المؤمنين، وقتل سميّة أمّ عمّار بن ياسر.
قلتُ له: الحمدُ لله الذي أخزاك.