36
الولاية التكوينيّة ومسألة الغلوّ
يتصوّر البعض بأنّ الاعتقاد بالولاية التكوينيّة سببٌ للغلوّ في مقام الأنبياء والأوصياء؛ ولكن هذه العقيدة لا صلة لها بالغلو أبداً.
المغالي هو من يدّعي أنّ لعباد الله مقاماً أرفع من مقام العبوديّة، وينسب إليهم صفات الله تعالى وأفعاله؛ فيقول مثلاً إنّ تدبير نظام الخلقة بأيديهم، كما لو ادّعى شخصٌ أن الإمام هو الخالق وهو الرازق وهو المحيي وهو المميت، أي له اختيارٌ مطلقٌ في ذلك. فهذا هو الغلوّ الذي يستتبع الكفر بالله عزّ وجلّ.
فالواقع أنّ الغلو يعني الاعتقاد بألُوهيّة غير الله تعالى أو الاعتقاد بأن عباده هم مبدأ أفعاله. 1
وهذا ما لا نجده في الاعتقاد بالولاية التكوينيّة لبعض العباد، فمن يمتلك الولاية التكوينيّة لا يكون إلهاً عن طريق امتلاكه لهذه الولاية، بل يبقى عبداً لله تعالى، وإنّما يكون ممّن مكّنه الله للقيام ببعض التصرّفات الخارقة للعادة بإذنه. ومن يمتلك الولاية التكوينيّة لا نعتقد بأنّه يقوم بهذه الأفعال على نحوالاستقلال، وإنّما يقوم بها بإذن الله.
فمن يعتقد بولايتهم التكوينيّة لا يعتقد أنّهم آلهة ولا يعتقد أنّهم يعملون بهذه الولاية على نحوالاستقلال ومن دون إذن الله، بل يؤمن بأنّهم عباد مكرّمون تمكّنوا في ظلّ تقرّبهم إلى الله أن ينالوا منه القدرة التي تتيح لهم -بإذن الله - التصرّف في الكون من أجل الإرشاد والإصلاح.
وبين الاعتقاد بالولاية التكوينيّة لبعض العباد بإذن الله وبين الغلوّ بون