35ويا تُرى هل هذا الإذن لفظي؟
الجواب: لا شكّ في هذا الإذن ليس لفظياً، بل هو إذنٌ باطنيٌّ أي: أنّه تعالى يمنح عبده من الكمال والقوّة بحيث يمتلك القدرة على إنجاز أمور خارقة للعادة.
والشاهد على ذلك أنّ البشريّة كافة تحتاج في تحقّق جميع أمورها إلى إذن الله تعالى، ولا يمكنها القيام بأيّ تصرّف إلّا في رحاب هذا الإذن، وإذن الله عبارة عن أنّه تعالى يمكّن الفاعل من القيام بأمور خارقة للعادة بقدرته ورحمة.
وإذا كان السيّد المسيح في هذه الآية ينسب هذه الأفعال الخارقة للعادة إلى نفسه، فإنّ الله تعالى أيضاً ينسبها إليه في آية أخرى، حيث قال:
(وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهٰا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتىٰ بِإِذْنِي) (المائدة : 110).
ويرجى المزيد من التأمل في مضمون هذه الآية؛ ليّتضح من هو الفاعل لهذه الأمور.
فالله عزّوجلّ لم يقل: أنا أخلق، أنا أبرىء، أو أنا أخرج الموتى، بل قال تعالى: ( إِذْ تَخْلُقُ ) ، ( وَ تُبْرِئُ ) و ( إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتىٰ ) ، أي: أنت أيّها المسيح تخلق وتبرىء وتُخرج الموتى، وهل هناك تصريحٌ أفصح من هذا الكلام؟!
ولكن مع ذلك، فالقرآن الكريم يصرّح بعدم استقلال الإنسان في القيام بأعماله، ويؤكّد على بطلان عقائد المعتزلة والثنويّة الذين يزعمون أنّ الإنسان لا يحتاج في أفعاله إلى الله، ويقولون إنّه يقوم بأفعاله وتصرّفاته بنحو مستقلٍّ ولا حاجة له إلى الله؛ ولهذا نجد السيّد المسيح يقيّد جميع أفعاله بإذن الله، ويراعي في هذا المقام التوحيد في الأفعال.