42على وصف آخر، ممَّا يدلّ على أنَّ تلك الذات التي نالت من القرب الإلهي ما نالت، أصبحت ميزاناً بين الإيمان والنفاق بما هي هي، وفرق شاسع بين الحديثين.
د - وقال أيضاً في كلامه المتقدم: «لأنَّ من الطبع البشري بُغض مَن وقعت منه إساءة في حقّ المُبغض، والحبّ بعكسه، وذلك ما يرجع الى أُمور الدنيا غالباً».
وهذا الكلام فيه ما فيه؛ إذ ينبغي على هذا أنْ تكون قريش مُحقّة في بغضها للنبي (ص) ؛ لأنَّه قاتلها وقتل منها، بل إنَّ للكفار الذين عاشوا في زمن الأنبياء السالفين الحق في بغض أنبيائهم؛ لأنَّ الأنبياء أساؤوا لهؤلاء الكفار، وهذا كلام غريب! فالأديان إنَّما جاءت لتشذّب وتهذّب الطباع البشرية، وتقنِّن الحبّ والبغض وبقية المشاعر والأحاسيس، فلا يحقّ للمؤمن مثلاً أنْ يحبّ كافراً محارباً معادياً لله ولرسوله، ولا أنْ يواليه، ولا ينبغي للمؤمن أنْ يُبغض مؤمناً يريد إقامة الحق، فكيف ببغض سيد المؤمنين وأميرهم، لا لشيءٍ إلاّ لإقامته العدل ومحاربته للباطل؟!
3- من التوثيقات العامّة أيضاً ما ذكره ابن تيمية، بقوله: «... والخوارج أصدق من الرافضة وأدين وأورع، بل الخوارج لا نعرف عنهم أنَّهم يتعمّدون الكذب، بل هم من أصدق الناس». 1 فهذا توثيق لأهمّ مصداق من مصاديق النواصب، أعني الخوارج.
كما أنَّ التعليق على هذا الكلام قد يكون خارج عن حدود هذا الكتاب، فيترك لمقام آخر.
الفرع الثاني: التوثيقات العامَّة للنواصب بالملازمة والتلويح
لقد وُثِّق النواصب أيضاً بمجموعهم، لكن لا بذكرهم مباشرة - كما فعل ابن حجر في ما ذكرناه في الفرع الأوّل حين ذكرهم بالنص عليهم، وأنَّهم متديّنون، وأنَّ أغلبهم صادق اللهجة - ولا بذكر المصداق الأتمّ والأوضح منهم - كما فعله ابن داود صاحب السنن، حينما وثَّق الخوارج، مع كونهم من أصدق مصاديق أهل النصب - لكن وُثّقوا باللوازم، كإثبات الوثاقة لجميع فرق المسلمين عدا فرقة معيَّنة بعينها - غير النواصب