32
جاء رجل من أهل الشام فسبّ علياً عند ابن عباس، فحصبه 1 ابن عباس، فقال: يا عدو الله، آذيت رسول الله (ص) ، إنَّ الّذين يُؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة، وأعدَّ لهم عذاباً مهيناً، لو كان رسول الله (ص) حياً لآذيته.
و قال كذلك: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، وقد وافقه الذهبي - وهو من أشهر رجاليّي الجمهور - في تصحيح هذا الأثر في تلخيصه للمستدرك. 2
فتلخّص ممّا تقدَّم أنَّ الناصبي منافق، مبغض لله تعالى ولرسوله، وإن ادّعى الحب ظاهراً، ونؤكّد على أنَّ هذه النتيجة ليست استنباطاً أو استنتاجاً عقلياً، بل هي أمر نصّت عليه الشريعة بنصوص صحيحة من حيث السند، وقطعية من حيث الدلالة، ولا مجال لردِّها أو تأويلها.
المبحث الأوَّل: النصب والعدالة
تقديم: بعد أن عرفنا أنَّ (النصب) هو بغض أمير المؤمنين علي وأهل بيته عليهم السلام - على ما نصّت عليه المعاجم اللغوية وكتب أهل الفن عند الجمهور - وأنَّ الموصوف به منافق مبغض لله تعالى ولرسوله -وهذا ما ورد في روايات صحيحة كثيرة أوردنا نزراً يسيراً منها- سنبحث العلاقة بين النصب والناصبي من جهة، وبين العدالة من جهة اخرى.
وبكلام أوضح، هل يمكن بحالٍ من الأحوال أن يكون الناصبي عادلاً حائزاً على أهمّ شرطٍ من شروط الراوي، وهو الشرط المُجمَع والمُتَّفق عليه عند الجمهور - أعني العدالة - أم أنَّه فاقدٌ لهذا الشرط؟
وهنا لابد أن نُذكِّر بما مرّ في الفصل الأوّل من أنَّ أهمّ الشروط التي يجب توفّرها في الراوي هي: الإسلام، البلوغ، العدالة، الضبط، وهذه الشروط اتفاقية لم يشذ أحد عن ذكرها من المُحدِّثين والأصوليين، كما مرّ في الفصل الأوّل.