26
الثاني: تعريف النصب والنواصب
إنَّ كلمة (النصب، أو نَصَبَ) حالها حال أيّ لفظ استعمل كمصطلح يختص بعلم من العلوم، فإنَّ له معنى لغوياً، كما أنَّ له معنى خاصّاً باصطلاح أهل ذلك الفنّ، يكون مغايراً للمعنى اللغوي، لكنّه مشتقّ منه ومتفرّع عليه، فكذا النصب.
وسيتضح أنَّ النصب في اللغة هو المعاداة، بل الظاهر عن أهل اللغة أنَّ دلالة كلمة (النصب) على مطلق العداء هي دلالة مجازية تحتاج إلى قرينة لإتمام معناها كي تدلّ على العداء، كقولهم: (ناصبه العداوة، أو الحرب)، بمعنى أظهرها له وأقامها، لكن بكثرة الاستعمال وتقادمه سقط الاحتياج للقرينة، وبقي ذو القرينة دالّا ًعلى ذلك المعنى المجازي، لذا قال الفراهيدي: «وناصبت فلاناً الشر والحرب والعداوة ونحوها، ونصبنا لهم حرباً، وإن لم تسمّ الحرب جاز». 1وما ذكرناه واضح في قوله: (وان لم تسمَّ الحرب جاز).
وقال الزبيدي:
«ونصب (له الحرب) نصباً (وضعها)، كناصَبَه الشر ، و من المجاز (ناصبه الشر) والحرب والعداوة مناصبةً، (أظهره له، كنصبه) ثلاثياً، وقد تقدم....وكلّه من الانتصاب». 2
فالذي يظهر أنَّ أصل (النصب) هو الإقامة، وإنّما تكثّرت اشتقاقاتها بحسب القرينة اللفظية المصاحبة لذي القرينة؛ لذا قال صاحب المصدر المتقدّم أيضاً ما نصّه: «(و) من المجاز: تنصبت لفلان، عاديتُه نصباً». 3
وقال الزمخشري أيضاً ما نصه:
«ونصبنا لهم حرباً، وناصبناهم مناصبة، وناصبت لفلان: عاديتُه نصباً». 4
قال جرير:
«وورد في المعجم الوسيط: (ناصبه) العداوة أو الحرب: أظهرها له وأقامها». 5
أمّا اصطلاح (النواصب)، فهو غير بعيد عن الاستعمال اللغوي الآنف الذكر،