34ويقول الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الشريفة: تدلّ الآية على ثلاثة أوجه، على البراءة من الش-رك اولاً وإثبات التوحيد ثانياً، والبراءة من المشركين ثالثاً. فيرى علماء المسلمين أنَّه يُستحب على مَن يريد اعتناق الإسلام النطق بالشهادتين أوّلاً، بعدها يتبرَّأ من أيّ دين آخر عدا الإسلام 1.
كما كان على النبي(ص) إنذار عشيرته الأقربين، والبراءة منهم إذا ما أصرُّوا على شركهم وإلحادهم. ويقول القرآن الكريم في هذا الصدد: (وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَ اخْفِضْ جَنٰاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّٰا تَعْمَلُونَ * وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ) 2.
ولعلَّ الأشدّ والأغلظ في آيات البراءة هي التي تحثّ المسلمين على اتّباع سيرة إبراهيم الخليل(ع) والذين معه في مواجهة المشركين: (قَدْ كٰانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرٰاهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قٰالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّٰا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمّٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ كَفَرْنٰا بِكُمْ وَ بَدٰا بَيْنَنٰا وَ بَيْنَكُمُ الْعَدٰاوَةُ وَ الْبَغْضٰاءُ أَبَداً حَتّٰى تُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ إِلاّٰ قَوْلَ إِبْرٰاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَ مٰا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللّٰهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنٰا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنٰا وَ إِلَيْكَ أَنَبْنٰا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) 3. ونرى أنَّ إبراهيم والذين معه يتبرَّؤون من القوم فعلاً وقلباً، «فقد فسَّروا براءتهم منهم بأمور ثلاثة: مخالفتهم لشركهم عملاً، والعداوة والبغضاء بينهم قلباً، واستمرار ذلك ماداموا على شركهم، إلّا أن يؤمنوا بالله وحده» 4.
والأهم في ذلك أنَّ براءتهم القلبية والمعلَنة شكَّلت أُسوة حسنة