12تحريم البناء على القبور - مثلاً - هو كذب محض، وعلى خلاف ادّعائهم فالإجماع منعقد على الجواز وليس على المنع، ولن يظهر هذا الإجماع من شذّ عنه مثل ابن تيمية وتلامذته وأتباعه.
وقد أشار المؤلّف إلى مسألة مهمة جداً في هذا السياق، وهي أنّ اجتهاد كلّ مذهب هو حجة على أصحابه ومقلّديه، لذلك فجملة من الأدلّة التي يستند إليها الوهابية لا تنهض حجة على الإمامية أو غيرهم من المذاهب الأخرى، وقد أشار بهذا الشأن إلى بعض الأمثلة التي اختلفت فيها الآراء، نظير ما يتبنّاه الإمامية من عدم حجية أخبار الآحاد إلاّ إذا جمعت شرائط خاصة، وكذلك لا حجية للإجماع إلاَّ إذا كان كاشفاً عن رأي الرسول(ص) أو الإمام المعصوم.
وهذه القاعدة - أي حجيّة الاجتهاد لدى أصحابه- من القواعد المعترف بها لدى جميع المذاهب، وإلا أنكرنا الاجتهاد في جميع الأبواب، فالحديث قد يثبت عند مالك ولايثبت عند أبي حنيفة أو الشافعي، فيختلف الاجتهاد والاستنباط، ولم يكفّر المالكية الأحناف لأنهم لميعملوا بالحديث الذي صحَّحه إمامهم وعمل به. وفي المذهب الحنبلي هناك عشرات المسائل يروى فيها عن ابن حنبل روايتان أو ثلاثة، فأيهما رأي المذهب؟ وهل من أفتى بمضمون رواية منهما وخالف غيره يكون كافراً؟
إضافة إلى الاختلاف في فهم الحديث وفقهه، فعلماء أهل السنة والإمامية فهموا من النهي الوارد في بعض الأحاديث و الروايات الكراهة وليس التحريم، ناهيك عن القول بالكفر أو الشرك. كما خصَّ الإمامية كراهة البناء في غير قبور الأنبياء والأولياء والعلماء(ص28).
أمّا بخصوص هدم ما بُني من القبور أو هدم القباب المبنية عليها والأضرحة، فقد أكَّد المؤلّف عدم مشروعيته فضلاً عن وجوبه، وحرمة هدمها كحرمة نبشها؛ لما روي عن الرسول(ص): «حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً». ولم يُنقل لنا في عصر من العصور السالفة صدوره من ولاة أمور المسلمين، ولو كان الهدم من الواجبات التعبدية لشاع وذاع و سُطِّر ونُشر قبل زمن هؤلاء الذين لن يرون لمؤمن ميت حرمة ولا يبالون بهتكه وتحقيره وإهانته(ص42).
والسؤال الكبير الذي طرحه المسلمون ولايزالون هو: لم يُصرّ الوهابيون على محو آثار المسلمين ومعالم تاريخهم؟ فعندما تدخل مقبرة البقيع بالمدينة المنورة اليوم تسأل: لمن هذه القبور التي لم يبق منها إلا بعض الأحجار الناتئة هنا وهناك؟ فيجيبك أحد زبانية المقبرة بخشونة وغلظة: «لا أحد يعرف». ونحن نسأل: مايضر الوهابية لو عرف الحجاج والزوار أنّ هذا