10وانظر هذا المصنّف من الحنابلة - الذين الخصم متمذهب بمذهبهم - ، كيف نصّ على التوجّه بالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ! 1
زيارة القبور في السنة النبوية
اتفق أهل السيرة على أن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم كان يخرج من أخر الليل إلى البقيع، فيقول:
«السلام عليكم دار قوم مؤمنين واتاكم ما توعدون غداً مؤجلون وإنا إن شاء اللّٰه بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد» . 2ولم يقتصر صلى الله عليه و آله و سلم بل علّم كيفية الزيارة لزوجته، روى مسلم في صحيحه عن عائشة في حديث طويل قالت قلت كيف أقول لهم يارسول اللّٰه قال صلى الله عليه و آله و سلم : قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم اللّٰه المتقدمين منا والمستأخرين إن شاء اللّٰه بكم للاحقون 3.
ومع ذلك نرى ان الحكومة السعودية قد اقفلت باب البقيع عن وجه النساء، فمنعت دخولهن إليه، مع ان رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم أدخل زوجته البقيع وعلّمها صيغة الزيارة .
وقد جاء في الآثار أن بنت المصطفى التي هي أفضل نساء العالمين تذهب إلى زيارة القبور كما تذهب إلى زيارة قبر عمها حمزة وتصلي عنده في حياة أبيها رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم . 4هذه هي سيرة النبي صلى الله عليه و آله و سلم وهذا سلوك بنته فما هذا التناقض بينها وبين عمل الحكومة السعودية.
هذا وقد زارت عائشة قبر أخيها عبدالرحمن وكان قد مات بالحُيشي والحيشي على اثني عشر ميلاً من مكة، هكذا في كتاب ابن أبي شيبة عن ابن جريج - فحُمِل حتّى دفن بمكة، فقدمت عائشة من المدينة، فأتت قبره فوقفت عليه، فتمثلت بهذين البيتين: وكنا كندماني جذيمة حقبة
أما واللّٰه لو شهدتك ما زرتك، ولو شهدتك ما دفنتك إلّافي مكانك الّذي متّ فيه 1.
وحصيلة الكلام أن استحباب قبر النبي - أمر اتفق عليه قاطبة الفقهاء.
حتّى ان مفتى الديار السعودية السابق عبدالعزيز بن باز افتى باستحبابها ونشرت جريدة «الجزيرة» فتواه في عددها 6826، وبتاريخ 24 / ذي العقدة الحرام / عام 1411 ه .
وقد ذكر العلّامة السبكي ماروي في المقام من الأحاديث فانهاها إلى خمسة عشر حديثاً وتكلم في أسناده 2.
كما أن العلّامة الراحل الشيخ الاميني رحمه الله قد نقل ما دل على استحباب زيارة النبي صلى الله عليه و آله و سلم بما يناهز. 3***
حديث لا تشد الرحال
ربما يمكن ان يقال ان زيارة النبي صلى الله عليه و آله و سلم أمر مستحب في نفسه، إلّاأن السفر لتك الغاية غير جائز لما رواه مسلم في صحيحه:
ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا تشد الرحال إلّاإلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الاقصى» 4.
إلّا أن الامعان في الحديث يعرب عن أن الكلام مشتمل على المستثنى دون المستثنى عنه ويسمى هذا الاستثناء في اصطلاح اللغوين بالاستثناء المفرغ، فلابد من تعيين المستثنى منه ثم دراسة الحديث. وهناك احتمالات ثلاثة:
ان المقدر هو المكان أو القبر، أو المسجد، فعلى الأوّل يكون المقصود: لا تشد الرحال إلى مكان من الامكنة إلّاإلى ثلاثة مساجد .
وعلى الثاني يكون المقصود: لا تشد الرحال إلى قبر من القبور إلّاإلى ثلاثة مساجد.