23رأي الإسلام في الحياة،فإنّ هذه العينة الصغيرة،والرقعة المحدودة من الأرض،تجسد تخطيط الإسلام لساحة الحياة الواسعة.
فإنّ (العلاقة) فيما بين الناس،والارتباط،والتلاقي،هو الإفراز الطبيعي للحياة الاجتماعية،فمن أجل هذه (العلاقة) و(اللقاء) و(التلاقي) خلق الله تعالى الإنسان اجتماعياً،وأعدّه للحياة الاجتماعية،ولايبلغ الإنسان الكمال والنضج الذي أعدّه الله تعالى له إلاّ في وسط هذه العلاقات واللقاءات،في الحياة الاجتماعية؛فلو أنّ إنساناً اعتزل الناس،وعاش وحده في جزيرة قاصية في البحر،لم يبلغ بالتأكيد النضج والكمال الذي أعده الله تعالى له،وهذه اللقاءات والعلاقات إنما تثمر،وتعطي،وتنتج في حياة الإنسان،فيما إذا توفر له الجوّ السليم بالأمن والسلام؛أمّا عندما تتكوّن هذه العلاقة في جوّ من الريبة،والحذر،والخوف،والقلق،والعدوان،والكيد،والمكر،فإنّ هذه العلاقة والارتباط فيما بين الناس لا تكاد تثمر هذه الثمرة،ولا تكاد تبلغ بالإنسان النضج والكمال الذي يطلبه الإنسان في الحياة الاجتماعية من خلال هذه العلاقات،بل قد تعود العلاقة في مثل هذا الجوّ إلى نتائج سلبية في حياة الإنسان،وهو كثير.
فالإسلام يخطط بناءاً على هذا الفهم،لإقامة شبكة العلاقات فيما بين الناس،وتنظيمها،وتهذيبها،وتحديدها بالحدود الإلهية الآمنة في حياة الناس،ليجعل العلاقة فيما بين الناس في الحياة الاجتماعية في جوّ آمن وسليم،فيأمن الإنسان الآخرين على نفسه في حضوره،وغيبته،وفي نفسه،وعرضه،وماله،كما يأمنه الآخرون على أنفسهم و أعراضهم وأموالهم في الحضور والغياب،ويعيش في جوّ من الأمن الشامل،ويبني علاقاته كلها مع الآخرين في هذا الجوّ الآمن،في السّراء والضّراء،وفي التجارة والبيع،وفي الزواج والعلاقات الاجتماعية،وفي علاقاته مع أصدقائه وزملائه،وفي علاقاته مع أعضاء أسرته،وفي ارتباطه بمن هو فوقه ومن هو دونه،وحينما يأخذ