155كل عالم فهو لطيف و مجرد حسبما بينه الحكمة الالهية في موطنها.
و السر في ذلك كله انه تعالى هو الاول قبل كل شيء فلا يسبقه شيء اصلا حتى يكون السبق موجبا لغيبة السابق عن المسبوق و هو الاخر بعد كل شيء فلا يلحقه شيء اصلا حتى يكون اللحوق مانعا عن شهود اللاحق و هو الظاهر فلا ظهور لغيره الا به فلا يظهر عليه شيء ابدا حتى يكون ظهوره الفائق قاهرا على ظهوره تعالى فيكون حجابا نوريا له تعالى عن الحضور و هو الباطن فلا بطون لغيره بحيث يكون خافيا له تعالى حتى لا يكتنهه بل هو مع كل شيء و داخل في الاشياء لا بالممازجة و خارج عنها لا بالمزايلة وَ هُوَ اَلَّذِي فِي اَلسَّمٰاءِ إِلٰهٌ وَ فِي اَلْأَرْضِ إِلٰهٌ و لذا يعلم عجيج الوحوش في الفلوات و اختلاف النينان في البحار الغمرات و معاصى العباد في الخلوات.
فتبين بذلك انه يمتنع فرض الجهل او السهو في حقه تعالى بحيث لم يكن عالما في هداية الانسان و تبيين احكامه في امر ما ثم صار عالما به حتى يكون هو الموجب لتغير الدين الالهى و هكذا في السهو و التذكر فحينئذ لا مجال لتوهم التغير في الدين الوحيد اى الإسلام من ناحية القابل او الفاعل اصلا و يشهد له قوله تعالى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ اَلدِّينِ مٰا وَصّٰى بِهِ نُوحاً وَ اَلَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ وَ مٰا وَصَّيْنٰا بِهِ إِبْرٰاهِيمَ وَ مُوسىٰ وَ عِيسىٰ أَنْ أَقِيمُوا اَلدِّينَ وَ لاٰ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى اَلْمُشْرِكِينَ مٰا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» . 1حيث يدل على ان الدين المشروع للأنبياء العظام واحد لا اختلاف فيه و لا تخلف و ان الامم بأسرهم مأمورون باقامة ذلك الدين الوحيد و منهيون عن التفرق و الاختلاف اذ الانبياء اخوة امهاتهم شتى و دينهم واحد. و كل لاحق منهم مصدق لسابقه حتى انتهى الامر الى افضلهم و