562لتحريم الإعانة على الإثم و منها أن من خاف من أخذ المال عنه قهرا لا يجب عليه الحج و إن قل المال و هذا في معناه و الجواب عن الأول أنا لا نسلّم اشتراط تخلية السرب بهذا المعنى بل القدر المعلوم اشتراط تخليته بحيث يتمكن من المسير بوجه لا يقضي إلى شدة و مشقة شديدة عادة و عن الثاني أن المدفوع على هذا الوجه لا يصدق عليه الإعانة على الإثم إذ لم يقصد بذلك سوى التوصل إلى الطاعة و التخلص من شر العدوّ و مثل هذا ليس إعانة على الفعل المحرّم و التزام كون ذلك إعانة يقتضي القول بتحريم أكثر أسفار التجارات و غيرها في كثير من الأعصار بل الجلوس في الأسواق و التزام كثير من الصناعات و الزراعات و كثير من أنواع الاكتسابات حيث يستلزم أخذ شيء بدون الاستحقاق الشرعي على أنه يمكن التخلص من ذلك بالتمليك و عن الثالث يمنع السّقوط في الأصل و منع المساواة بأداء الفرق فإن بذل المال اختيارا على هذا الوجه أهون من تحمل أخذه قهرا و الفرق بأن الثابت في بذل المال اختيار الثواب الدائم و في الأخذ قهر العوض المنقطع ضعيف لأن تعريض المال للصوص اختيارا توصّلا إلى طاعة اللّٰه تعالى يقتضي الثواب أيضا
و لو منعه عدو أو كان مغصوبا لا يستمسك على الراحلة
بحيث يعجز عن جميع أنواعه
سقط
وجوب الحج لانتفاء الاستطاعة التي تتوقف عليها الوجوب و المغصوب لغة الضعيف و الزمن لا حراك به فعلى الأول يكون الوصف بعدم الاستمساك مخصصا و على الثاني كاشفا
و لا يجب على الممنوع بمرض أو عدو الاستنابة على رأي
إذا عجز عن الحج لمانع من مرض أو عدو فلا يخلو إما أن يكون الحجّ مستقرا في ذمته أم لا أما الأول فلا أعلم خلافا بين الأصحاب في وجوب الاستنابة فيه و ذكر الاتفاق فيه الشهيد الثاني و غيره لكن روى الشيخ عن سلمة بن أبي حفص عن أبي عبد اللّٰه ع عن أبيه ع أن رجلا أتى عليّا ع و لم يحج قط فقال إني كنت كثير المال و فرطت في الحج حتى كبر سني قال فتستطيع الحج قال لا فقال له علي ع إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك و فيه إشعار بعدم الوجوب و أما الثاني فاختلف فيه الأصحاب فذهب جماعة منهم ابن الجنيد و الشيخ و أبو الصلاح و ابن البراج إلى الوجوب و ذهب ابن إدريس إلى عدم الوجوب و استقربه المصنف في المختلف حجة الأول أخبار كثيرة منها ما رواه الصّدوق عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن كان موسرا حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّٰه عز و جل فيه فإن عليه أن يحج عنه من ماله ضرورة لا مال له و روى الكليني عن الحلبي في الحسن بإبراهيم عنه ع نحوا منه و عن عبد اللّٰه بن سنان في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن أمير المؤمنين ع أمر شيخا كبيرا لم يحج قط و لا يطيق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه و روى الكليني عن عبد اللّٰه بن سنان في الحسن بإبراهيم عنه ع نحوا منه و روى الشيخ معلقا عن صفوان عن ابن سنان نحوا منه و منها ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع قال إن عليّا ع رأى شيخا لم يحج قط و لم يطق الحج من كبره فأمره أن يجهز رجلا فيحج عنه و عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر ع قال كان عليّ ع يقول لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه و رواه الكليني عن محمد بن مسلم في الصحيح عنه ع و ما رواه الكليني و الشيخ عنه عن علي بن أبي حمزة قال سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّٰه فيه قال عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له و ما رواه الكليني عن عبد اللّٰه بن ميمون القداح عن أبي جعفر عن أبيه ع أن عليّا ع قال لرجل كبير لم يحج قط إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك و لا يخفى أن الاستدلال بهذه الأخبار على الوجوب إنما يتجه عند من لا يتوقف في كون الأمر في أخبارنا للوجوب و من يتوقف في ذلك لا يسوغ له الاستدلال بها على الوجوب و الرواية الأخيرة مشعرة بعدم الوجوب احتج المصنف في المختلف على عدم الوجوب بأصالة البراءة و بأن الاستطاعة شرط و هي مفقودة هنا فيسقط الوجوب قضية للشرط و فيه تأمّل و على القول بوجوب الاستنابة يختصّ الوجوب بحال اليأس من البرء أما عند رجاء البرء فلا أعلم خلافا بين الأصحاب في عدم وجوب الاستنابة و نقل في المنتهى الإجماع عليه و يلوح من كلام الشهيد في الدروس من البرء على التراخي و علل الأول بأصالة البراءة السالمة عن المعارض إذ المتبادر من الأخبار المتقدمة تعلق الوجوب بمن حصل له اليأس من زوال المانع و بأنه لو وجبت الاستنابة مع المرض مطلقا لم يتحقق اعتبار اشتراط التمكن من المسير في وجوب الحج إلا أن يقال باعتبار اختصاص ذلك بالحج مباشرة و في المنتهى استحب الاستنابة في صورة عدم اليأس قالوا و لو حصل له اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الإعادة و هو غير بعيد نظرا إلى أن المستفاد من الأخبار على الظاهر المتبادر تعلق الأمر بالاستنابة عند حصول اليأس و لا دليل على الاكتفاء بالاستنابة السابقة على حصول الشرط و لو اتفق موته قبل حصول اليأس فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه لعدم حصول الشرط الذي هو استقرار الحج و اليأس من البرء و لو استناب ثم ارتفع المانع فالظاهر وجوب الحج عليه و ظاهر التذكرة أنه لا خلاف فيه بين علمائنا و احتمل بعض الأصحاب عدم الوجوب و الأول أقرب نظرا إلى إطلاق الأمر بالحج عند التمكن
و لو مات بعد الاستقرار قضي من الأصل
مقدّما على الميراث و الوصايا
من أقرب الأماكن
إلى مكّة
و إلا
أي و إن لم يكن مئونة بعد الاستقرار
فلا
يجب القضاء عنه و تنقيح هذا المقام إنما يحصل برسم مسائل الأولى من استقر الحج في ذمّته ثم مات قضي عنه من أصل ماله عند الأصحاب و ظاهر المصنف في المنتهى و التذكرة أنه قول علمائنا أجمع و الأصل فيه الروايات المستفيضة منها ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و ترك مالا قال عليه أن يحج عنه من ماله رجلا صرورة لا مال له و عن محمد بن مسلم في الصحيح قال سألت أبا جعفر ع عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام يحج عنه قال نعم و عن محمد بن مسلم في الصّحيح قال سألت أبا جعفر ع عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها يقضى عنه قال نعم و رواه الشيخ أيضا عن محمد بن مسلم في الصحيح على الظاهر و رواه الصّدوق في الصحيح على الظاهر و ما رواه الكليني عن رفاعة في الصحيح قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن رجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص لها أ يقضى عنه قال نعم و عن رفاعة في الموثق قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الرجل و المرأة يموتان و لم يحجا أ يقضى عنهما حجة الإسلام قال نعم و ما رواه الكليني و الصّدوق عن بريد العجلي في الصحيح قال سألت أبا جعفر ع عن رجل خرج حاجا و معه جمل له و نفقة و زاد فمات في الطريق فقال إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه قال يكون جميع ما معه و ما يترك للورثة إلا أن يكون عليه دين فيقضى عنه أو يكون أوصى بوصية فتنفذ ذلك لمن أوصى له و يجعل ذلك من ثلثه و روى الشيخ عن بريد بن معاوية العجلي في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع قريبا منه و ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع قال إذا قدر الرّجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّٰه فيه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام فإن كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّٰه فيه فإن عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له و قال يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله و عن سماعة بن مهران في الموثق قال سألت أبا عبد اللّٰه ع عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر فقال يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك و ما رواه الصّدوق عن ضريس الكناسي في الصحيح قال سألت أبا جعفر ع عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في شكر ليحجن به رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام و من قبل أن يفي بنذره الذي نذر قال إن كان ترك ما لا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و أخرج من ثلثه ما يحج به رجل لنذره و قد وفى بالنذر و إن لم يكن ترك مالا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه وليه حجة النذر و إنما هو مثل دين عليه و أما ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد اللّٰه ع قال من مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك إلا بقدر نفقة الحج فورثته أحق بما ترك إن شاءوا حجوا عنه و إن شاءوا أكلوا و روى الكليني مثله في الحسن فمحمول على أنه كان له مال بقدر نفقة الحج حسب و بمجرد ذلك لا يجب عليه الحج لتوقفه على مئونة العيال و كذا الكلام فيما رواه الصّدوق عن هارون بن حمزة الغنوي و عن الصادق ع في رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يترك إلا قدر نفقة الحج و له ورثة قال هم أحق إن شاءوا أكلوا و إن شاءوا حجوا عنه الثاني اختلف الأصحاب في وجوب قضاء الحج عن الميّت من أقرب الأماكن أو من بلده فقيل يقضى عنه من أقرب الأماكن و إليه ذهب أكثر الأصحاب و قيل يقضى عنه من بلده إن خلف سعة و إلا فمن الميقات و هو منقول عن ابن إدريس و ظاهر الشيخ في النهاية و نقل في المسألة قول بأنه يستأجر من بلده إن أمكن و إلا فمن حيث يمكن و هو مخالف للقول الثاني بحسب الظاهر و نقل في المسألة القول بإطلاق وجوب الاستيجار من البلد و هو يفارق القول الثاني على تقدير القول بسقوط الحج مع سعة