34الحق تعالى بواسطة الباصرة، وبيان ذلك:
إنّ الآية الكريمة تخاطب المشركين، وهؤلاء قد يتوهمون -لسذاجتهم - من قوله تعالى: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أنّه إذا صار وكيلاً عليهم فهو أمر جسماني كسائر الجسمانيات التي تتصدى للأعمال الجسمانية، فدفعه بأنه تعالى لا تدركه الابصار لتعاليه عن الجسمية ولوازمها.
فقوله تعالى: (لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) دفع الدخل الذي يوهمه قوله تعالى: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) بحسب ما تتلقاه أفهام المشركين الساذجة، فالخطاب موجّه لهم كما أنّ قوله تعالى: (وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) دفع لما يسبق إلى أذهان هؤلاء المشركين الذين اعتادوا التفكر المادي وأخلدوا إلى الحسّ والمحسوس، وهو أنّه تعالى إذا ارتفع عن تعلق الابصار به خرج عن حيطة الحسّ والمحسوس وبطل نوع الاتصال الوجودي الذي هو مناط الشعور والعلم، وانقطع عن مخلوقاته، فلا يعلم بشيء كما لايعلم به شيء، ولا يبصر شيئاً كما لا يبصره شيء، فأجاب تعالى عنه بقوله: (وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) ، ثم علل هذه الدعوى بقوله تعالى: (وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) ، واللطيف هو الرقيق النافذ في الشيء، والخبير من له الخبرة، فإذا كان تعالى محيطاً بكل شيء بحقيقة معنى الإحاطة كان شاهداً على كل شيء، لا يفقده ظاهر شيء من الأشياء ولا باطنه، وهو مع ذلك ذو علم وخبرة، كان