58ويحدّد المحقّق الأسباب التي دعته إلى نشر هذا الكتاب بقوله: هذا الكتاب يمثّل مذهب إمام أهل السنّة أحمد بن حنبل؛ لأنّ ابن بطّة قريب العهد به، وهو على مذهبه في الأُصول والفروع.
وابن بطّة يعتبر من علماء الحديث الكبار في عصره، ومن كبار علماء الحنابلة في زمنه، وكتابه الإبانة قد حوى آلاف الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والتابعين.
والنسيان الذي طوى هذا الإمام الجليل قد دفعني إلى التأريخ له ونشر تراثه والتعريف بجهوده.
ويؤكّد المحقّق في مقدّمته رفضه الشديد للجدل والتأويل سيراً مع مذهب ابن بطّة وسنّة الحنابلة من قديم، فالتأويل في نظره لا يعتمد على نصٍّ دينيٍّ صحيح، ولم يقل به أحد من علماء السلف، وعلم الكلام قد اتّخذ الجدل الكريه مطيّةً في إثبات العقائد، والجدل مذموم في الإسلام.
وأكّد رفضه للعقل والسماح له بالتدخّل في مجالات الغيب، وعدّه خطأً فادحاً وحماقةً كبرى، وأنّ المعتزلة هم الذين ابتدأوا هذه المهزلة حسب تعبيره.
ويبدي المحقّق على المؤلّف ملاحظةً بقوله: ونلحظ في هذا المقام أنّ المؤلّف عندما ردّ على المرجئة في قضايا الإيمان، وعندما تعرّض للجهمية في مسائل الصفات الإلهيّة، أو القدرية في أُمور القضاء والقدر، أو الشيعة وغيرهم، لم يحفل بذكر نصوص أقوالهم واقتباس بعضها من كتبهم تجنّباً لما قد يثيره ذكر أقوالهم وشبهاتهم في نفوس الناس من آثار سيّئة، ولأنّ آراء هذه الفِرَق كانت قد شاعت بين الناس حتّى أصبحت معروفة عنهم بين الجميع؛ ولهذا نراه يكتفي بذكر تلك الآراء الشائعة عنهم دون اهتمام بنقل نصوص أقوالهم في ذلك، وهذا مسلك معروف عند كثير من المؤلّفين في العقيدة السلفية.
وكان السبب الداعي لابن بطّة لتأليف كتابه هذا هو ما آل إليه الحال في عصره من ظهور الزندقة والبعد عن كتاب الله وسنّة رسوله باندثار السنن وقيام البِدَع،