37أمّا الذين يرفضون طاعة الحكّام الجائرين فيدخلهم ابن حنبل في دائرة المبتدعين على استحياء، فهم أصحاب بدعة مخفّفة، وهو ما يتّضح من قوله: فمَن فعل ذلك -أي: خرج على الحكّام - فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة.
وقال ابن حنبل عن الجنّة والنار: لا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبداً. فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع، وقد ضلّ سواء السبيل.
ولا تعليق لنا على هذا الكلام سوى القول بأنّ ابن تيمية قد خالف هذا القول وقال بفناء النار.
ويقول ابن حنبل عن مكان الله سبحانه: وهو على العرش فوق السماء السابعة.
وهذا القول هو الذي تأسّست عليه فكرة الفوقيّة التي تبنّاها الحنابلة، ودعموها بالروايات، وحكموا على رافضيها بالزيغ والضلال.
وتبنّاها من بعدهم الوهّابيّون واعتبروها من عقائد الفرقة الناجية من النار مَن خالفها فهو من الضآلين المبتدعين.
ويتابع ابن حنبل: والقرآن كلام الله تكلّم به، ليس بمخلوق، ومَن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومَن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأوّل، ومن زعم أنّ ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي، ومَن لم يكفِّر هؤلاء القوم كلّهم فهو مثلهم. وكلّم الله موسى تكليماً من فيه - فمه - وناوله التوراة من يده إلى يده.
وابن حنبل - بهذه الأقوال المتطرّفة - يكون قد كفّر الشيعة والمعتزلة وغيرهم من أهل القِبلَة، ممّن قالوا بخلق القرآن، تلك المسألة الكلامية التي ضخّمها ابن حنبل وجعلها من أُصول الدين التي يكفر مخالفها، وما له حجّة في هذا سوى أنّه لم يجد من بين الروايات والآثار ما يدعم فكرة خلق القرآن.
وموقف ابن حنبل هذا إنّما يعود إلى كونه امتُحن وفُتن وحُبس بسبب مسألة خلق القرآن في عصر المأمون العبّاسي والمعتصم والواثق من بعده، كما أشرنا سابقاً.