8ومن هنا لم تجد تلك الفتاوى مكاناً لها في الأوساط العلميّة بادئ ذي بدء، فجوبهت تلك الآراء والأفكار بالرفض الشديد، ووقف بوجهها العلماء بمختلف انتماءاتهم؛ لما وجدوا فيها من خطورةٍ من حيث المحتوى والابتعاد عن روح النهج القويم، الأمر الذي يشكّل تهديداً جادّاً لوحدة المسلمين وتماسكهم. وقد انحسرت هذه الأفكار بعد أن ضُيّق على صاحبها، إلى أن انتهى به الأمر إلى السجن، حيث قضى أجله فيه، وخَبَت أفكارُه.
و بقيت كتب ابن تيمية وآثاره منزويةً يتداولها نفرٌ قليل، إلى أن أظهر محمّد بن عبدالوهّاب (سنة 1143ه-) دعوتَه في (نجد)، حيث غالى كثيراً وأفرط في تبنّي آراء ابن تيمية وبثّ فيها الحياة من جديد، وأخذ بالتهجّم على الذين لم يكونوا يوافقونه فى الرأي، فبسط نفوذ هذه الدعوة الجديدة على أغلب مناطق الجزيرة العربية بالقهر والغلبة وحرارة السيف، وتحت شعار التوحيد وتطهير المنطقة من مظاهر الشرك بالله تعالى في عبادته حسب زعمه، وقد عرفت باسم (الوهابيّة)، و التي اشتدّت في هجمتها - منذ بداية ظهورها - على الشّيعة الإمامية؛ وذلك لما يتمتّعون به من رقيٍّ في المستوى الفكري والعلمي، وقدرة على التطوّر وإيجاد الحلول والإجابات على كلّ متطلّبات العصر، الأمر الذي ساهم في انتشاره في مختلف البلدان، فتقبّلته القلوب والعقول من دون إكراه أو إلجاء إليه؛ كيف لا وهو فكرٌ مبتنٍ على فكرِ أئمّة أهل البيت عليهم السلام من عترة النبي (ص) ، وطريقتهم في بيان الدين الحنيف التي تتماشى مع الفطرة الإنسانية السليمة، مع جلالة شأنهم، وسطوع برهانهم، وورعهم وتقواهم المشهور بل المتواتر.