73وتقدّم ما جاء في كتاب أمير المؤمنين (ع) إلى ابن حنيف، عامله على البصرة:
بلى، كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء، فشحَّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ونِعم الحكم الله. وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مظانّها في غد جدث
1
،تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها 2 .
ومن هنا، فقد غضَّ أهل البيت عليهم السلام النظر عن الجانب المادِّي لفدك، وأصبحت بالنسبة لهم إحدى الرموز الّتي تُعبِّر عن حقّهم في خلافة الرّسول (ص) ، ومظلوميّتهم، بل إنَّها كانت من أشدِّ الأمور وطأة على قلوبهم؛ لفظاعة خطبها وما حصل فيها من تجاوز على المقام الطاهر للزهراء البتول عليها السلام ، حتّى أُثر عنهم عليهم السلام قولهم: إنَّها صدّيقة شهيدة، كما في رواية الشّيخ الكليني في الكافي، بسنده عن الإمام الكاظم (ع) ، قال:
«إنَّ فاطمة عليها السلام صدِّيقة شهيدة» 3.
ومن هنا، عندما كانت تطرح مسألة فدك على أهل البيت عليهم السلام ، كنَّوا بها عن غصب الخلافة منهم، وإنَّ إرجاعها الحقيقي هو إرجاع الخلافة إليهم عليهم السلام .
وممَّا يؤيّد ذلك هو ما أخرجه الزمخشري في «ربيع الأبرار»، من أنَّ هارونالرشيد كان يقول للإمام موسى الكاظم (ع) : يا أبا الحسن، حدّ فدك حتّى أردُّها إليك، فيأبى، حتّى ألحَّ عليه، فقال (ع) :
لا آخذها إلاّ بحدودها. قال: وما حدودها؟ قال: إن حدّدتها لم تردّها؟ قال: بحقِّ جدِّك إلاّ فعلت. قال: أمّا الحدّ الأوّل فعَدَن. فتغيَّر وجه الرّشيد، وقال: إِيْهاً. قال: والحدّ الثّاني سمرقند. فأربد وجهه. والحدّ الثالث إفريقية. فاسوَدَّ وجهه وقال: هِيْهِ. قال: والرابع سيف البحر، ممّا يلي الجزر وأرمينية. قال الرّشيد: فلم يبقَ لنا شيء، فتحوّل إلى مجلسي. قال الإمام (ع) :قد أعلمتك