66الجفان، وما ظننت أنَّك تُجيب إلى طعام قوم عائلهم مَجفو، وغنيّهم مَدعو. فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.
ألا وإنَّ لكلّ مأموم إماماً يقتدى به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنَّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنَّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفَّة وسداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً، ولاادَّخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً.
بلى، كانت في أيدينا فدك، من كلّ ما أظلّته السماء، فشحَّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم الله.
وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانّها في غد جَدَث، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زِيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمَدر، وسدَّ فرجها التراب المتراكم؟!
وإنّما هي نفسي أروّضها بالتقوى، لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق، ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولُباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعلَّ بالحجاز أو اليمامة مَن لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أوأبيت مِبطاناً وحولي بطون غرثى، وأكباد حرّى؟!...
أأقنع من نفسي بأن يُقال أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدّهر، أو أكون أُسوة لهم في جُشُوبة العيش؟! فما خُلقت ليشغلني أكل الطيّبات، كالبهيمة المربوطة، همُّها علفها، أو المرسلَة، شغلها تقممها، تكترش من أعلافها، وتلهو عمّا يُراد بها، أو أترك سُدى، أو أهمل عابثاً، أو أجرّ حبل الضّلالة، أو أعتسف طريق المتاهة.
وكأنِّي بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب، فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان. ألا وإنَّ الشّجرة البرِّية أصلب عوداً، والروائع الخضرة أرقّ جلوداً، والنباتات البدوية أقوى وقوداً وأبطأ خموداً، وأنا من رسولالله كالصنوِ من الصنو، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب