65وقد تقدَّمت الإشارة إلى هذا الكتاب.
وبهذا يتّضح أنَّ سياسات عثمان الخاطئة اللامُبرَّرة أوجدت هوَّة سحيقة بين الأُمّة، وكادت أن تمحو من أذهان الأُمّة صورة الإمام الّتي رسمها رسول الله (ص) لها، وأثارت الفتن والنعرات، وخلَّفت تركات خطيرة أثقلت كاهل أمير المؤمنين (ع) ، فجعل (صلوات الله عليه وسلامه) نصب عينيه إصلاح الأمور، وإرجاعها إلى ما كانت عليه في زمن نبي الإسلام (ص) ، وإعادة تلك الصور الّتي رسمها الرّسول (ص) للإمام من بعده إلى أذهان الأُمّة، لا سيما تلك المتعلِّقة منها ببيت مال المسلمين.
فوضع الإمام (ع) تلك السياسة المادّية لعثمان ومَن سبقه جانباً، ودعا إلى العدل والمساواة، غير آبهٍ بسخط البعض، ممَّن لم يرتضِ هذه السياسة الجديدة، وقد عمَّم الإمام (ع) هذه السّياسة الربّانية وطبَّقها على نفسه، وأهل بيته وأقربائه وولاته، قبل الآخرين من آحاد الأُمّة؛ ففي رواية ابن عباس، قال:
إنَّ علياً (ع) خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة، فقال: ألا إنَّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان، وكلّ مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال؛ فإنَّ الحقّ القديم لايبطله شيء، ولو وجدته وقد تُزوّج به النّساء وفُرّق في البلدان، لرددتُه إلى حاله؛ فإنَّ في العدل سِعة، ومَن ضاق عنه الحقّ فالجور عليه أضيق 1.
فأرجع الإمام (ع) إلى بيت مال المسلمين كلّ القطائع الّتي أقطعها عثمان لمَن هَبَّ ودبَّ، وكانت فدك من بين تلك الأمور الّتي شملها العدل العلويّ، إلاّ أنَّ إعطاءَها لأهل البيت عليهم السلام كان سيضرّ بهذه السّياسة، وسيراه البعض خروجاً عنها، وأنَّه (ع) أراد أن يُطبِّق العدل والمساواة على المسلمين، دون أهل بيته عليهم السلام .
وقد لخَّص الإمام (ع) الخطوط العامّة لسياسته في كتاب له (ع) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، وهو عامله على البصرة، وقد بلغه أنَّه دُعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضي إليها: (أمَّا بعد يا بن حنيف.. فقد بلغني أنَّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدُبة، فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان وتنقل إليك