6فكان الخلاف ينشب بين أبنائها بين الفينة والأُخرى، ولم يكن على مستوى واحد، بل تارة في مسائل أساسية ومبدئية، وأُخرى في مسائل فرعية وجزئية. لكن كانت أشدّها فتكاً بوحدة المسلمين، هي الخلافات العقائدية، وقد بدأت مبكِّرة جدّاً في تاريخ أُمّتنا الإسلاميّة؛ نتيجة ما حلَّ بها من تباين في الآراء والأنظار حول مسائل مهمّة وخطيرة، غيَّرت - في كثير من الأحيان - وُجهة المجتمع الإسلامي، وحوَّلته من مجتمع موحَّد في زمن النّبيّ (ص) ، إلى عدَّة جماعات وطوائف، متباينة في الرؤى والتوجّهات؛ لتُشكّل نواة للفرق والمذاهب العقائدية.
وقد اقترنت تلك الخلافات بتبنِّي البعض لأفكار متطرّفة وشاذَّة، لا تعود على المسلمين بشيء سوى تعميق الخلاف أكثر فأكثر، وتأجيج النزاعات المذهبية والطائفية وتشديدها بينهم.
وقد كان من بين روّاد هذا المضمار، الشّيخ المعروف بابن تيمية الحرّاني، إذ كان له قَصَبُ السَبق في ذلك، بما عُرف عنه من آراءٍ خرق فيها إجماع علماء المسلمين، وفتاوى اتَّهم فيها السواد الأعظم من أهل القِبلة بالشرك. ومن هنا، لمتجد هذه الآراء والفتاوى مكاناً لها في الأوساط العلمية بادئ ذي بدء؛ حيث جُوبهت تلك الآراء والأفكار بالرفض الشديد، ووقف بوجهها العلماء بمختلف انتماءاتهم؛ لِما وجدوا فيها من خطورة؛ من حيث المحتوى، والابتعاد عن روح النهج القويم؛ الأمر الّذي يُشكِّل تهديداً جادّاً لوحدة المسلمين وتماسكهم.
فانحسرت هذه الأفكار بعد أنْ ضُيِّق عليه، حتّى انتهى أمر صاحبها في السجن، حيث قضى أجله فيه، وخَبَتْ أفكاره. لكنْ بقيت كتبه وآثاره مُنزوية، يتداولها نفر قليل، إلى أنْ أظهر محمّد بن عبد الوهاب - عام 1143ه - دعوته في «نجد»؛ حيث غالى كثيراً وأفرط في تبنِّي آراء ابن تيمية، وبثَّ فيها الحياة من جديد، وتهجَّم على الذين لم يكونوا يوافقونه الرأي، وبسط نفوذه على أغلب مناطق الجزيرة العربية بالقهر والغَلَبَة، وتحت شعار «التوحيد وتطهير المنطقة من مظاهر الشرك بالله تعالى في عبادته» حسب زعمهم، وقد عُرفت باسم (الوهابية).
واتّسمت هذه الحركة بالعنف والإرهاب الفكري، وعدم فهم حجَّة الآخر،