38
افتتحت كلامها بالحمدلله عزّوجلّ والثّناء عليه، والصّلاة على رسوله (ص) ،ثُمَّ قالت: لقد جاءكم رسول من أنفسكم، عزيز عليه ما عنتّم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإنْ تعزّوه تجدوه أبي دون آبائكم، وأخا ابن عمِّي دون رجالكم، فبلّغ الرّسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن سُنن المشركين، ضارباً ثبجهم، يدعو إلى سبيل ربِّه بالحكمة والموعظة الحسنة، آخذاً بأكظام المشركين، يهشم الأصنام ويفلق الهام، حتّى انهزم الجمع، وولُّوا الدبر، وحتّى تَفَرَّى الليل عن صبحه، وأسفَرَ الحقّ عن مَحضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شَقاشِق الشياطين، وتمَّت كلمة الإخلاص، وكنتم على شفا حفرة من النار، نُهْزة الطّامع ومَذقَة الشّارب، وقَبَسَة العجلان ومَوطأ الأقدام، تشربون الطَرق وتقتاتون القِدّ، أذلَّة خاسئين، يتخطَّفكم النّاس من حولكم، حتّى أنقذكم الله عزّوجلّ برسوله (ص) ،بعد اللُتيّا والتي، وبعد أن مُني بسهم الرجال وذؤبان العرب، ومَردة أهل النفاق، (كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله)، ونجمَ قرن للشيطان، أو فغرَت للمشركين فاغِرة، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتّى يطأ صِماخها بأخمصه، ويطفئ عادية لهبها، أو قالت: ويخمد لَهبتها بحدِّه، مكدوداً في ذات الله، وأنتم في رفاهية فكهون آمنون وادعون.
إلى ها هنا انتهى خبر أبي العيناء عن ابن عائشة.
وزاد عروة بن الزبير عن عائشة:
حتّى إذا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، ظهرت حسيكة النّفاق، وسمل جلباب الدّين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الآفكين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه صارخاً بكم، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين، ثُمَّ استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فألفاكم غضباً فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير شربكم. هذا والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل. إنّما زعمتم ذلك خوف الفتنة
أَلاٰ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكٰافِرِينَ .(التوبه: 49)
فهيهات منكم، وأنّى بكم وأنّى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، زواجره