14الرسول(ص) على إيكال الأمر للناس ليختاروا الخليفة بأنفسهم في ظلّ تلك الظروف العسيرة.
وبعبارة أخرى، فإنّ الأمر لا يتعدّى نظريتي (النصّ) أي: اختيار الخليفة بواسطة النبي بأمر الله، و(الشورى) أي: إيكال الأمر إلى اختيار المهاجرين والأنصار. ونودّ هنا تسليط الضوء على موقف النبي(ص) في هذا المجال؛ لأنّ المسألة تتمحور حول ثلاث نظريّات، هي:
1. لم يتحدّث النبيّ(ص) قطُّ حول من يتولّى الأمر من بعده.
2. أعلن النبي(ص) موقفه من الخلافة من بعده، وأوكلها إلى الشورى.
3. اختار - بأمر من الله - شخصاً صالحاً لقيادة الأمّة الإسلاميّة ونصّبه لخلافته، وأخبر الناس بذلك.
أمّا النظريّة الأولى، فهي لا تنسجم مع كمال الدين واستمراره إلى يوم القيامة؛ لأنّ الاسلام دين اجتماعي ولا تقتصر تعاليمه على العبادات الشخصيّة والمناجات الفرديّة، بل هو أطروحة شاملة تُغني البشريّة من جميع النواحي، وتلبّى احتياجاتها إلى يوم القيامة، ولا يمكن القول: بأنّ من جاء بهذا الدين أهمل مسألة الحكم، وهي مسألة تضمن بقاء الدين ولم يكن له أيّ موقف في هذا المجال.
أمّا النظريّة الثانية، فهي نظريّة يمكن الإذعان بها إلى حدٍّ ما؛ لأنّها تكشف أنّ الرسول(ص) لم يهمل أمر الخلافة من بعده. ولكن هذه النظريّة تبقى مبتوره؛ لأنّ خلافة النبيّ(ص) لو كانت قائمة على الشورى، فكان يجدر برسول الله(ص) أن يبيّن ضوابطها وشروطها بدقّة، وأن يمارسها على الصعيد العمليّ خلال حياته ليتعلّم المسلمون كيفيّتها ولكي لا يتحيّروا أو يضلّوا بعد وفاته.