16
استقامة دينه وسلامة مذهبه، وسلامته من الفسق وما يجري مجراه بما اتفق أنَّه مُبطِل العدالة، من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها .
والواجب أن يقال في جميع صفات العدالة : إنَّها اتّباع أوامر الله تعالى والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه، ممّا يُسقط العدالة. وقد عُلم مع ذلك أنَّه لا يكاد يسلم المكلَّف من البشر من كل ذنب... فيجب لذلك أن يقال: إنَّ العدل هو مَن عُرف بأداء فرائضه ولزوم ما أُمر به وتوقّي ما نُهي عنه، وتجنّب الفواحش المُسقطة، وتحرّي الحق والواجب في أفعاله ومعاملاته، والتوقّي في لفظه ممّا يثلم الدين والمروءة، فمن كانت هذه حاله، فهو الموصوف بأنَّه عدل في دينه ومعروف بالصدق في حديثه، وليس يكفيه في ذلك اجتناب الكبائر من الذنوب. 1
فيلاحظ هنا تأكيد الخطيب البغدادي على أنَّ اجتناب الكبائر لا يكفي في تحقق العدالة، بل لابد منه وبالاضافة إلى ذلك تجنّب كل ما يثلم الدين، بل والمروءة أيضاً.
2- قال الحاكم النيسابوري:
«وأصل عدالة المُحدِّث أن يكون مسلماً لا يدعو إلى بدعة، ولا يُعلن من أنواع المعاصي ما تسقط به عدالته». 2
ويلاحظ في هذا القول دخول (عدم البدعة) في مفهوم العدالة، وهذا لا ينافي ما تقدم من قول الخطيب البغدادي؛ لأنَّ البدعة من الأمور التي توجب الفسق، كما سيتضح ذلك قريباً عند الكلام عنها، فهي من الفواحش المُسقطة وهي مما يثلم الدين كما سيتضح، بل إنَّ الخطيب البغدادي صرَّح أيضاً بذلك عند تعليقه على قول شعبة 3المشهور:
«حدّثوا عن أهل الشرف؛ فإنَّهم لا يكذبون». 4قال الخطيب مُعلِّقاً على ذلك:
«هذا