11ولا يخفى ما في هذا الرأي من ضعف؛ إذ دعوى تعذّر معرفة أحوال الرجال مردودة على مدَّعيها إلى أن تثبت بالدليل، ثُمَّ في الموارد التي لا يتَّفق عليها الأئمَّة المذكورون، كيف يتمّ التعامل معها؟! وكذا الموارد التي سكتوا عنها أو كانت عباراتهم فيها مُجمَلَة، فما العمل حينئذٍ؟!
لذا، فلابدَّ للمجتهد أن يُعمل رأيه كي يثبت توفّر الشروط المعينة في فلان باعتباره راوٍ أو عدم توفرها. وأضف لكل ما سبق أنَّ هؤلاء الأئمَّة المذكورين لا يعدون كونهم مجتهدين، وقد تسالم في الفقه وغيره أنَّ قول المجتهد ليس بحجةٍ على مجتهدٍ آخر. 1
كما أنَّ هناك آخرين ادَّعوا نفس الدعوى الآنفة الذكر - وهي عدم الحاجة إلى علم الرجال، وخصوصاً في الأعصار المتأخرة - بذريعة قطعية صدور روايات الصحيحين، (صحيح البخاري وصحيح مسلم)، عن رسول الله (ص) ، وذهب إلى قطعية روايات الصحيحين أغلب أهل الحديث. قال الدكتور صبحي الصالح:
لا خلاف بين المُحدِّثين في أنَّ كلا من المتواتر اللفظي والمعنوي يُوجِب العلم القطعي اليقيني، وإنّما هم يختلفون في الحديث الصحيح الآحادي، هل يفيد الظن أم القطع؟ فالنووي في التقريب يراه ظني الثبوت، وأكثر أهل الحديث يقطعون منه بما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، وبعضهم يُرجِّحون أنَّ الآحادي الصحيح - سواء أخرجه الشيخان أم سواهما - يفيد العلم القطعي اليقيني، كالمتواتر بقسميه على حدٍ سواء. قال ابن حزم: «إنَّ خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله (ص) يوجب العلم والعمل معاً». 2
وهذه الدعوى أيضاً مردودة؛ إذ حتى لو سُلِّم بقطعية صدور ما في الصحيحين، فالحاجة تبقى ماسَّة إلى علم الرجال؛ لأنَّ أدلة الأحكام لا تختصّ بالصحيحين، بل إنَّ الثابت بما لايقبل الشك أنَّ الكثير من الروايات الصحاح قد وردت في غير هذين الصحيحين، وهذا ما لا يحتاج الى دليل.