10فان من الواضح حينئذٍ أن لا غنى للمتعاملين مع السنّة الشريفة من فقهاء ومجتهدين عن علم الرجال، أو علم الجرح والتعديل كما يسمِّيه بعضهم؛ لأنَّه يؤمِّن الشروط المعتبرة في سلامة إحدى الركيزتين المتقدِّمتي الذكر؛ إذ من خلاله يتمّ البتُّ باستيفاء الخبر للشروط الخاصة المتعلِّقة بالسند أو عدم استيفائه لتلك الشروط.
فالحاجة إلى معرفة حال رواة الحديث، من حيث اتِّصافهم بتلك الشروط الخاصة أو عدم اتّصافهم بها، تتمّ من خلال علم الرجال.
قال العلامة الحلي رحمه الله:
فإنَّ العلم بحال الرواة من أساس الأحكام الشرعية، وعليه تبتني القواعد السَمْعِية. يجب على كل مجتهد معرفته وعلمه، ولا يسوغ له تركه وجهله؛ إذ أكثر الأحكام تُستفاد من الأخبار النبويَّة والروايات عن الأئَّمة المهدية... . 1
وقال الفخر الرازي في المحصول في علم أصول الفقه، عند ذكر العلوم التي لابدَّ للمجتهد من معرفتها، قال ما نصّه:
فإنْ قال قائل: فصّلوا العلوم التي يحتاج المجتهد، إليها، قلنا: قال الغزالي (ره) : مدارك الأحكام أربع: الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعقل. فلابدَّ من العلم بهذه الأربعة، ولابدَّ معها من أربعةٍ أُخرى، اثنان مقدّمان واثنان مؤخّران... . أمَّا العِلمان المُتمّان فأحدهما يتعلّق بالكتاب، وهو علم الناسخ والمنسوخ، والآخر بالسنّة، وهو علم الجرح والتعديل ومعرفة أحوال الرجال. 2
وقد حاول البعض إلغاء دور علم الرجال - خصوصاً في الأعصار المتأخرة - بذرائع شتّى، فهذا الفخر الرازي يقول: «واعلم أنَّ البحث عن أحوال الرجال في زماننا هذا، مع طول المدّة وكثرة الوسائط، أمر كالمتعذّر، فالأولى الاكتفاء بتعديل الأئمّة الذين اتَّفق الخلق على عدالتهم، كالبخاري و مسلم وأمثالهما». 3