9والتقاليد ، وإنفاق المال ، وتذليل الصعوبات التي سيُعاني منها لانجاز ما يجب عليه في أداء هذه الشعيرة بأحسن وجه، كما يحاول رياضة النفس وطاعته لله تعالى في المال والبدن .
فقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن الفضل بن شاذان ، عن الامام الرضا عليه السلام - في حديث طويل - جاء فيه : ( فإن قيل : فلم أمر بالحجّ؟ قيل: لعلّة الوفادة إلى الله عزّ وجل وطلب الزيادة ، والخروج من كلّ ما اقترف العبد، تائباً ممّا مضى ، مستأنفا لما يستقبل ، مع ما فيه من إخراج الأموال، وتعب الأبدان، والاشتغال عن الأهل، وحظر النفس عن اللذات شاخصاً في الحرّ والبرد ، ثابتاً عليه ذلك دائماً ، مع الخضوع والاستكانة، والتذلل مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع، كلّ ذلك لطلب الرغبة إلى الله والرهبة منه، وترك قساوة القلب وخساسة الأنفس، ونسيان الذكر وانقطاع الرجاء والأمل، وتجديد الحقوق، وحظرٍ عن الفساد) 1.
ويمكن الاشارة إلى بعض الأسرار الروحية التي تتضمنها أعمال الحجّ بنحو من الايجاز، فأوّلها الإحرام ، أرأيت المُحرِم حين يتجرّد الانسان من ثيابه التي يتجمّل بها بين الناس حين الاحرام، فيستبدلها بقطعتين زهيدتين من القطن الأبيض، إشارة إلى تجرّده عن جميع علائق هذه الحياة وزخارفها، والاكتفاء بثوبين كمن ينتقل من حياة الدنيا إلى حياة الآخرة، لابساً أكفانه ، منصرفاً عن كلّ شهواتها ، وعازفاً عن كلّ لذاتها .
ألم تر أنّه حين يعلو جبلاً أو يهبط وادياً، أو عندما يستيقظ من نومه يرفع صوته بالتلبية منادياً : ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ) كأنه يُجيب داعياً يدعوه، نعم يُجيب داعي الحقّ بقوله : وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالاً وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ