6الرسالة صلى الله عليه و آله في تحقيق هذا الأمر وتثبيت أركانه ، في وقت شهدت فيه البشرية جمعاء ضياعاً ملحوظاً في جميع قيمها ومعتقداتها ، وخلطاً وتزييفاً مدروساً في مجمل عقائدها ومرتكزات أفكارها ، كرّس بالتالي مسارها المبتعد عن الخطّ السماوي ومناهجه السويّة ، وأنّ أيّ استعراض لمجمل القيم السائدة آنذاك - والتي كانت تؤلّف المعيار الأساسي والمفصل المهمّ الذي تستند إليه مجموع السلوكيّات الفردية والجماعية ، وتشذَّب من خلاله - يكشف عن عمق المأساة التي كانت تعيشها تلك الأُمم في تلك الأزمنة الغابرة .
فمراكز التشريع الحاكمة آنذاك - والتي تعتبر في تصوّر العوام وفهمهم مصدر القرار العرفي والشرعي المدير لشؤون الناس والمتحكّم بمصائرهم ومسار تفكيرهم - تنحصر في ثلاثة مراكز معلومة أركانها الأساسية : اليهود بما يمتلكونه من طرح عقائدي وفكري يستند إلى ثروات طائلة كبيرة ، والصليبيون بما يؤلّفونه من قوّة مادّية ضخمة تمتد مفاصلها ومراكزها إلى أبعد النقاط والحدود ، وأصحاب الثروة والجاه من المتنفّذين والمتحكّمين في مصائر الناس .
ومن هنا فإنّ كلّ الضوابط الأخلاقية والمبادئ العرفية والعلاقات الروحية والاجتماعية كانت تخضع لتشذيب تلك المراكز وتوجيهها بما يتلاءم وتوجّهاتها التي لا تحدّها أيّ حدود .
إنّ هذه المراكز الفاسدة كانت تعمل جاهدة لأن تسلخ الإنسان من كيانه العظيم الذي أراده اللّٰه تعالى له ، ودفعه عن دوره الكبير الذي خلق من أجله عندما قال تعالى للملائكة : إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً 1 بل تعمل جاهدة لأن تحجب تماماً رؤية هذه الحقيقة العظيمة عن ناظر الإنسان ليبقى دائماً بيدقاً أعمى تجول به أصابعهم الشيطانية لتنفيذ أفكارهم المنبعثة من شهواتهم المنحرفة .