4القوى عن ذلك فاجاب الاقدمون عن هذا الاعتراض بما سجله علامتنا المحبوب محمد بن شهر آشوب فى اول هذا الكتاب الموسوم (بمتشابه القران) فاماط النقاب عن معنى المحكم و المتشابه ثم المع الى حكمة المتشابهات و اثباتها فى الايات بيدانى ألهمت بضعة عشر وجها وجيها فى دفع هذا الاعتراض السالف ذكره و نقنع منها الان بذكر عشرة:
(احدها) ان الحكمة فى وجود المتشابهات لو لم تكن اجل و انفع من وجود المحكمات فليست بأقل فأن القران سفر هداية عامة لجميع اجيال البشر و ينبوع علم خالد مادام الانسان و الاكوان فأن اقتصر فيه على المحكمات الواضحة لم ينطوى الكتاب على تجدد فكرى و تطور نظرى و القرآن غض طرى فى كل عصر و مصر ليستظرفه ابناء كل جيل و قبيل و ما ذلك الا بفضل متشابهاته و تشبيهاته و مجازاته و استعاراته و تفنناته و كناياته (الوجه الثانى) لاهل العصور فى مختلف الدهور اذواق متلونة و انظار متفننة و هذا الاختلاف الطبيعى لا يستقيم مع المحكمات و انما يبقى محفوظا و ملحوظا فى المتشابهات
(الوجه الثالث) ان اسرار العلوم تتجلى على اوجه التدريج حسب تدرج الحضارة و ارتقاء البشر دورا فدورا و طورا فطورا و ضرورى للقران الخالد ان يمشى مع البشر حسب تدرج علمه و تلون حضارته و الا فإن تلكا يصطدم السير فى جيل واحد يتجدد الاذواق و نفرته طباع اهل ذاك الجيل و يسقط عن المستوى الرفيع و الساقط لا يعود فان اقتصر على المحكمات فى عصر النزول عجز من ان يحافظ لنفسه المزية المطلوبة فى بقية العصور اما المتشابهات و فى وسعها المحافظة على المطلوب
(الوجه الرابع) ان العلوم التى كانت معروفة فى عصر النبوة و مصرها هى على اختلاف عظيم مع العلوم التى فى القرون الوسطى كما هى على اختلاف عظيم مع العلوم العصرية فلو كان القران يصرح بالتحرك للارض مثلا كاية المحكمة لرماه الناس فى عصر النبى (ص) و مصره بالجهالة و مناقضة الحس و العقل فلم يك يؤمن به واحدا من الناس قط كما انه لو كان مصرحا بسكون الارض على وجه محكم لا يتداخله الشك لكان اهل عصرنا ينتقضون على القران و يتهمونه بمخالفة الفن الحكيم فكان القران فى جموده على المحكم اما خاسرا لايمان اهل ذلك العصر و اما خاسرا ايمان هذا العصر به بخلاف ما لو سلك سبيل الاجمال فى المتشابهات كقوله تعالى (وَ تَرَى اَلْجِبٰالَ تَحْسَبُهٰا جٰامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ اَلسَّحٰابِ و جَعَلَ لَكُمُ اَلْأَرْضَ مَهْداً) الى غير ذلك من ايات المتشابهات تشير الى حركة الارض من طرف خفى فأن ذلك وجه متوسط يلائم ذوق العامة فى عصره كما يلائم ذوق الخاصة فى هذا