26لها، فترىٰ نفسها عبداً لا يملك لنفسه شيئاً من خير أو شرّ، أو نفعٍ أو ضرّ.
ويرىٰ الدنيا دار مجاز وما يستقبله فيها من غنىٰ أو فقر، أو أيّ نفع وضّرٍ ابتلاءً وامتحاناً الهياً، فلا يدعوه تواترُ النعم عليه إلى الطغيان وإكثار الفساد، والعلوّ والاستكبار، ولا يوقعه الفقر والفقدان في الكفر وترك الشكر.
ثم يخاطبها بخطاب آخر ويقول: «اِرْجِعِي إِلىٰ رَبِّكِ رٰاضِيَةً مَرْضِيَّةً » ، وظرف الخطابين من حين نزول الموت إلى دخول جنة الخلد، ثمّ يخاطبها بخطاب ثالث ورابع ويقول: «فَادْخُلِي فِي عِبٰادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي » وهما تفريعان علىٰ الخطاب الثاني الماضي أعني «اِرْجِعِي إِلىٰ رَبِّكِ ... » وقوله «فِي عِبٰادِي » يدل علىٰ أنها حائزة مقام العبودية وفي قوله «جَنَّتِي » تعيين لمستقرّها وفي إضافة الجنة إلى ضمير التكلم، تعريف خاص، ولا يوجد في كلامه تعالىٰ إضافة الجنّة إلى نفسه تعالىٰ وتقدّس إلّا في هذه الآية 1.
والمخاطب في هذه الخطابات الأربعة، ليس جسده البارد الذي صار بالموت بمنزلة الجماد ولا عظامه الرميمة الدفينة في طبقات الثرىٰ، بل نفسه وروحه الباقية غير الداثرة.
ولوخُصَّ ظرف الخطاب بيوم البعثمن لدن إحيائها إلى استقرارها في الجنة، لما ضرّ بالاستدلال وان كان علىٰ الوجه الأوّل أظهر.
والحاصل: سواء أقلنا بأنّ ظرف الخطاب هو زمان الموت أو قلنا بأنّه زمان البعث، فالمخاطب هو نفس الإنسان لا بدنه ولا أعضاؤه فتدلّ علىٰ أنّها واقعهُ والباقي كسوة عليها.