10
يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ 1، وقوله : وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ 2.
أتراه كيف يتجرّد من الدنيا وزينتها، ويتخلّى عن الروح الحيوانية فيصير روحاً مجرّداً، فَيُحرّم على نفسه التمتع بالطيبات ممّا رزقه الله ، بل بجميع لذائذ الحياة، كما يحرم عليه أن يؤذي حيواناً أو يقطع شجراً .
أرأيته حين يطوف حول البيت طالباً أن تُفتح له أبوابه ليدخل في فردوسه الأبهى، أرأيت كيف ينقلب الطائف بالبيت بعد الفراغ من طوافه إلى مقام إبراهيم ليُصلّي كمن قام مقام النبي إبراهيم عليه السلام ودعى بدعائه : رَبَّنٰا تَقَبَّلْ مِنّٰا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنٰا وَ اجْعَلْنٰا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنٰا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنٰا مَنٰاسِكَنٰا وَ تُبْ عَلَيْنٰا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّٰابُ الرَّحِيمُ 3.
أتراه حين ينفلت بعد الصلاة إلى السعي بين الصفا والمروة ليؤدي شعيرة اخرى: إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ 4وبعد إكماله يُقصّر من شعره، لعلّه إشارة إلى أنّ السالك إلى الحقّ مهما جَدّ في المسير فإنّ مصيره ومنتهاه إلى الاعتراف بالقصور أو التقصير، ومن أجل الاعتراف بذلك يحلّ من إحرامه، ويُحلّ الله له الطيبات التي حرّمها عليه .
بعدئذ يعقد إحرام الحج قبل الظهر من اليوم التاسع، ليكون في عرفات من الظهر إلى غروب الشمس ، ثمّ يفيض إلى المشعر الحرام، فيبيت فيه حتى طلوع الشمس، ثمّ يسير نحو منى ، فيأتي بمناسكها الثلاثة : الرمي والذبح والحلق يوم العيد، فحينئذ يحلّ من كلّ ما حَرّم الله تعالى عليه بالاحرام إلّا الطيب والصيد والنساء ، ثمّ يبيت في منى