8فالشرائع السماوية كأنّها تستنطِق الفطرة وتُذكِّر بالنعمة المنسية بفعل الأهواء والدعايات الباطلة، وقد أُمر حملتها بإثارة ما دفن في فطرة الإنسان من جواهر المعقولات في مجالي العقيدة والشريعة.
وعلى ذلك فالشريعة - وفقَ الفطرة - مصباح ينير الدرب لكلّ ساع في طلب الحقّ. وكلّ فكرة أو ميل، توحي إليهما الفطرة فهو آية كونه حقّاً، وكلّ فكرة أو جنوح، يناقض الفطرة وترفضهما فهو آية كونه باطلاً.
ولأجل ذلك تخلينا عن الرهبانية والتعزّب ووأْد البنين والبنات لأنها تخالف مقتضى الفطرة.
إنّ البحث في كون الشريعة الإلهية شريعة فطرية، يتطلّب مجالاً واسعاً لما يترتّب على البحث من نتائج مشرقة تعين على حل مشاكل أثارها خصوم الإسلام في مجال خاتمية الشريعة الإسلامية، حيث إنّهم يرفضون كون الدين ديناً خاتماً، بزعمهم أنّ الحياة الإنسانية حياة متغيّرة ومتحوّلة فكيف يمكن تدبير المجتمع المتغيّر، بقوانين ثابتة جامدة؟
ولكنّهم لعدم معرفتهم بحقيقة الشريعة الإسلامية، غفلوا عن أمر هام، وهو أنّ المتغيّر في الحياة الإنسانية هو القشر، لا اللبّ، وإلّا فالإنسان بما له من غرائز وميول علوية وسفلية لم يتغيّر ولن يتغيّر، وبهذه الميزة والخصوصية هو محكوم بالقوانين الثابتة.
فالإنسان القديم كان يُحبُّ العدلَ وينفر من الظلم ويميل إلى الزواج والحياة الاجتماعية وهكذا الإنسان في العصر الحاضر، إذن فالقانون في حقهما سواء وإن تغيّرت أجواء الحياة وقشورها ولباسها وظواهرها.