6
زيارة مراقد العلماء والشهداء
ما ذكرناه من الأثر التربويّ هو نتيجة لزيارة قبور عامة الناس، حيث إنها تورث العبرة وتذكّر بالآخرة وتحطُّ من الأطماع وتقلّل من تعلّق الإنسان بالدنيا وما فيها.
وامّا زيارة مراقد العلماء فلها وراء ذلك شأن آخر، حيث إنها تهدف إلى تكريم العلم وتعظيمه وبالتالي تحث الجيل الناشيء لتحصيل العلم، حيث يرىٰ بأُمِّ عينيه تكريم العلماء أحياءاً وأمواتاً .
ان لزيارة مراقد الشهداء - الذين ذبّوا بدمائهم عن دينهم وشريعتهم المقدسة - أثراً آخر وراء العبرة والاعتبار، ذلك ان الحضور عند مراقدهم بمنزلة عقد ميثاق وتعهد من الحاضرين في مواصلة الخط الّذي ساروا عليه .
ولايضاح الحال نأتي بمثال: أن الفقهاء افتوا باستحباب استلام الحجر الاسود عند الطواف وعندئذ يسأل الزائر عن سرّ هذا العمل، وما هي الفائدة من وضع اليد على الحجر واستلامه، إلّا أنّه لو تأمل في تاريخ بناء البيت وأنّ بطل التوحيد - على ما روي - قام عليه في رفع قواعده لوقف على سرّه وهو أن هذا العمل عقد ميثاق مع إبراهيم الخليل عليه السلام الّذي بنىٰ البيت للموحدين وقد تحمل - في نشر التوحيد وكسر اصنام الشرك - جهوداً مضنية.
فالزائر باستلامه الحجر الّذي كان في متناول إبراهيم كأنّه يعقد معه ميثاقاً لمواصلة المسير الّذي اختطه إبراهيم عليه السلام .
وقد جاء هذا المعنىٰ في بعض الروايات حيث ورد أنّه يستحب لمن يستلم الحجر أن يقول:
أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة . 1وما ذكرناه من حكمة لهذا العمل هي السبب ذاته للحضور عند مراقد شهداء بدر وأُحد وكربلاء، وغيرها، فإن الزائر بحضوره لديهم وبوضع يده على مراقدهم، كأنّه يعقد ميثاقاً مع أرواحهم في مواصلة الاهداف التي لأجلها خرجوا بدمائهم، وقتلوا في سبيلها، فزيارة قبور الشهداء تكريم وتعظيم لهم ونوع تعهد في مواصلة أهدافهم.
كما أن من الجدير ذكره أن كثيراً من السلفيين ربّما يعتذرون عن استلام الحجر بما أثر عن