8مشيئته وإذنه ، قال سبحانه : «وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرٰاتِ رِزْقاً لَكُمْ» (البقرة32/) والباء في الآية بمعنى السببية والضمير يرجع إلى الماء ، وقال أيضاً : «أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّٰا نَسُوقُ الْمٰاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فتخرج بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعٰامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ أَ فَلاٰ تبصرون »(السجدة27/) ، فالآية صريحة في تأثير الماء على الزرع ، وأنّه سبحانه أعطى له تلك المقدرة وكلُّ من الأسباب جنود له سبحانه ، قال : «وَ مٰا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّٰ هُوَ» (المدثّر31/) فلو كانت الملائكة جنوداً للّٰهتبارك وتعالى كما يقول سبحانه :
«فَأَنْزَلَ اللّٰهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهٰا» (التوبة40/) فالأسباب العادية التي تعتمد عليها الحياة الجسمانية للإنسان ، جنوده سبحانه في عالم المادة ومظاهر إرادته ومشيئته .
وهذا ليس بمعنى تفويض النظام لهذه الظواهر المادية ، والقول بتأصّلها في التأثير واستقلالها في العمل بل الكل ، متدلٍّ بوجوده سبحانه ، قائم به ، تابع لمشيئته وإرادته وأمره .
هذا هو الذي نفهمه من الكون ويفهمه كل من أمعن النظر فيه ، فكما أنّ الحياة الجسمانية قائمة على أساس الأسباب والوسائل ، فهكذا نزول فيضه المعنوي سبحانه إلى العباد تابع لنظام خاص كشف عنه الوحي ، فهدايته سبحانه تصل إلى الإنسان عن طريق ملائكته وأنبيائه ورسله وكتبه ، فاللّٰه سبحانه هو الهادي ، والقرآن أيضاً هو الهادي ، والنبي الأكرم أيضاً هو الهادي ولكن في ظل إرادة اللّٰه سبحانه ، قال سبحانه : « وَ اللّٰهُ يريد اَلْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ» (الأحزاب4/) وقال سبحانه : «إِنَّ هٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» (الإسراء6/) وقال سبحانه في حقّ نبيّه : « وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (الشورى52/) .