8المناسب الذي قدره اللّٰه سبحانه وتعالىٰ . . .
هذا هو الحج الحقيقي الذي أداه الأنبياء ومن أخذ بتعاليمهم ولا سيما نبينا الكريم محمد صلى الله عليه و آله وأتباعه من المسلمين أينما كانوا ، وقد جاء هذا الحج (الحج عند المسلمين) تتويجاً لكلّ الحج السابق في الفكر والممارسة ، جاء نظريةً وهدفاً رائعاً ، وجاء ممارسةً وتطبيقاً عظيماً ، ينسجم وتطلعات الإنسان الأساسية والفطرية؛ ليبقىٰ مع الإنسان ملازماً له طالما هو حيّ علىٰ سطح الكرة الأرضية .
لكن الإنسان المتطلع إلى كلّ ما يشبع الفطرة والحاجات الأولية ، حاول - حين ابتعد عن الدين وعن الاقتراب من اللّٰه تعالىٰ - أن يلبي نداء هذه الفطرة الملحّة . . .
فقلّد ووضع حجّاً مماثلاً في شكله وبعض مضامينه لعلّه يملأ هذا الفراغ الروحي ، فذهب إلى هذه المنطقة وعطف علىٰ تلك البقعة ممارساً طقوساً وحركات خاصة لعلّه يلبي النداء الداخلي ، لكن لم يفلح؛ لأنه صدر من مخلوق أرضي ناقص قاصر لا يمكن أن يرقىٰ إلى جزء صغير من ذلك الحج الإلهي الكبير . . .
وبقي حجُّ الأنبياء وأتباعهم حجّاً حقيقياً ، وحجُّ أولئك المقلدين حجّاً شكلياً خاصاً بهم ، يُرضي أنفسهم ولا يرضي اللّٰه تعالىٰ . . .
لقد شرع اللّٰه تعالى الحج؛ ليدخل الفرد ضمن الجماعة ويتفاعل معها ويتكامل بها ، فينطلق الإسلام بفضله إلى روح الأخوة والتعاون ، ينطلق كتلةً واحدةً مجتمعةً علىٰ من سواها ، ينطلق محلّقاً فوق الذاتيات والأفراد والتمايزات والألوان والتفاوتات بمختلف أنواعها . . .
وهذا الكتاب - عزيزي القارئ - دارسة مقارنة للحج ، بين تلك الفريضة التي تجمع الناس في مكان واحد وزمان واحد وموقف واحد ولهدف واحد ، وذلك الحج الآخر الذي حرّفه الإنسان وأدخل عليه من ذاتياته وصناعته ، فصار بعيداً عن الأصل الإلهي ، كحج الحضارات والأمم المختلفة التي سادت ثم بادت . . . ولم