10وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقىٰ رحالهم، تهوي إليه ثمار الإفئدة من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتّىٰ يهزّوا مناكبهم ذللاً يُهلّلون للّٰهحوله، ويرملون علىٰ أقدامهم شُعثاً غُبراً له، قد نبذوا السّرابيل وراء ظهورهم، وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، ابتلاءً عظيماً وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله اللّٰه سبباً لرحمته، ووصلة الىٰ جنّته. ولو أراد - سبحانه - أن يضع بيته الحرام، ومشاعره العظام، بين جنّات وأنهار، وسهل وقرار جمّ الاشجار، داني الثمار، ملتفّ البنىٰ، متّصل القرىٰ، بين بُرّة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، ورياض ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء علىٰ حسب ضعف البلاء. ولو كان الإساس المحمول عليها، والاحجار المرفوع بها، بين زمرّدةٍ خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لخفّف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفىٰ معتلج الريب من النّاس، ولكن اللّٰه يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُتُحاً إلىٰ فضله، وأسباباً ذُلُلاً لعفوه 1.
الامام الصادق عليه السلام سئل عليه السلام عن علّة الحج، فقال: إنّ اللّٰه خلق الخلق، وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب؛ ليتعارفوا، ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد الىٰ بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمّال، ولتعرف آثار رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم وتعرف أخباره، ويذكر ولاينسىٰ، ولو كان كلّ قوم إنّما يتكلون علىٰ بلادهم وما فيها هلكوا، وخربت البلاد، وسقطت الجلب والارباح وعميت الاخبار، ولم تقفوا علىٰ ذلك، فذلك علّة الحجّ 2.