29فهذا الاعتقاد كان يدفعهم إلى العبادة ، ولأجل ذلك كانوا يقدّمون لمعبوداتهم النذور والقرابين وغيرهما من التقاليد والسنن . ولمّا كانت كلمة التوحيد تهدِّم عقيدتهم بإلوهية غيره سبحانه لذلك كانوا يستكبرون عند سماعها ، كما قال سبحانه : «إِنَّهُمْ كٰانُوا إِذٰا قِيلَ لَهُمْ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ اللّٰهُ يَسْتَكْبِرُونَ» 1.
ثمّ إنّ الاعتقاد بإلوهية الأصنام لا يلازم الاعتقاد بكون المعبود خالقاً للعالم حتّى يقال بأنّ المشركين في الجاهلية كانوا موحّدين في الخالقية ، كما يدلّ على ذلك أكثر من آية . قال سبحانه :
« وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ » 2.
إذ للإلوهية شؤون عندهم يقوم ببعضها الإلٰه الأعلى كخلق السماوات والأرض ، وبعضها الآخر الآلهة المزعومة المتخيّلة عندهم ، كغفران الذنوب والشفاعة المطلقة المقبولة بلا قيد وشرط ، وبما أنّ هذين الأمرين الأخيرين من شؤون الإلٰه الأعلى أيضاً وليس للآلهة المزعومة فيها حظّ ولا نصيب ، يركّز القرآن على إثباتهما للّٰهسبحانه فقط ويقول : «وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّٰهُ» 3. ويقول : «قُلْ لِلّٰهِ الشَّفٰاعَةُ جَمِيعاً» 4.
وفي ضوء ذلك فالمشركون كانوا معتقدين بالإلٰه الأعلى الأكبر ، وفي الوقت نفسهيعتقدون بآلهة شتّى ليس لهممن الشؤون ماللإلٰه الأعلىمنها، وفي الوقت نفسه كانت الآلهة عندهم مخلوقة للّٰهسبحانه ، مفوّضة إليهم بعض الشؤون كما عرفت .