14والذي يُضفي على الدراسة أهمية أكثر ، هو أنّ التوحيد في العبادة أحد مراتب التوحيد التي لا محيص للمسلم من تعلّمه ، ثم عقد القلب عليه ، والتحرّر عن أيّ لون من ألوان الشرك . فلا تُنال تلك الأُمنيةُ في مجالي العقيدة والعمل إلّا بمعرفة الموضوع معرفة صحيحة ، مدعمة بالدليل حتّى لا يقع في مغبَّة الشرك ، وعبادة غيره سبحانه .
ورغم المكانة الرفيعة للموضوع لم نعثر على بحث جامع حول مفهوم العبادة يتكفّل بيان مفهومها ، وحدّها الذي يُفصله عن التكريم والتعظيم أو الخضوع والتذلّل ، وكأنَّ السلف (رضوان اللّٰه عليهم) تلقّوها مفهوماً واضحاً ، واكتفوا فيها بما توحي إليهم فطرتُهم .
ولو صحّ ذلك فإنّما يصحّ في الأزمنة السالفة ، دون اليوم الذي استفحل عند بعض الناسِ أمر ادّعاء الشرك في العبادة ، فيما درج عليه المسلمون منذ قرون إلى أن ينتهي إلى عصر التابعين والصحابة فأصبح - بادّعائهم - كلّ تعظيم وتكريم للنبيّ ، عبادة له ، وكلّ خضوع أمام الرسول شركاً ، فلا يلتفت الزائر يميناً وشمالاً في المسجد الحرام والمسجد النبوي إلّا وتوقر سمعه كلمةُ «هذا شرك يا حاج» وكأنّه ليس لديهم إلّا تلك اللفظة ، أو لا يستطيعون تكريم ضيوف الرحمن إلّا بذلك .
فاللازم على هؤلاء - الذين يعدّون مظاهر الحبّ والودّ، والتكريم والتعظيم شركاً وعبادة - وضع حدٍّ منطقيّ للعبادة، يُميَّزبها، مصاديقُها عن غيرها حتى يتّخذه الوافدون من أقاصي العالم وأدانيه، ضابطة كلّية في المشاهد والمواقف، ولكن - وللأسف - لا تجد بحثاً حول مفهوم العبادة وتبيينها في كتبهم ونشرياتهم ودورياتهم .
فلأجل ذلك قمنا في هذا الفصل ، بمعالجة هذا الموضوع ، بشرح مفهومها لغة وقرآناً ، حيث بيّنّا أنّ حقيقة الشرك في تعاليم الأنبياء أخصّ ممّا ورد في المعاجم وكتب اللّغة .