268
«وَ اِتَّقُونِ» أي اتّقوني و خافونيبحذف الياء و الاكتفاء بالكسرة، و هو كثيرمن أن اعاقبكم و اتّقوا معاصيّ الّتي هي سبب العقاب أو اتّقوني فيما أمرتكم به و نهيتكم عنه، و المرجع واحد «يٰا أُولِي اَلْأَلْبٰابِ» أي يا ذوي العقول، سمّي العقل باللبّ لأنّ لبّ كلّ شيء خالصة و لبّ الإنسان عقله، و به يفوز بالسعادات كلّها، و خصّهم بالخطاب لأنّهم الأهل لذلك فإنّ قضيّة العقل خشية اللّه و تقواه فكأنّ من لم يتّق اللّه لا عقل له، و هو مبرهن بالعقل و النّقل، و فيه تأكيد آخر و تحريص و حثّ على التقوى، و أنّه لا بدّ أن يكون المقصود منه هو اللّه حيث قال «وَ اِتَّقُونِ» فانّ التّقوى إذا لم تكن للّه لم تكن تقوى بل عين الفسق و أفحشه و جعله مقصودا و التبرّي عن كلّ شيء سواه، هو مقتضى العقل المجرّد السليم عن شوائب الهوى فلذلك خصّ الخطاب بذويه.
الثالثة لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذٰا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفٰاتٍ فَاذْكُرُوا اَللّٰهَ عِنْدَ اَلْمَشْعَرِ اَلْحَرٰامِ وَ اُذْكُرُوهُ كَمٰا هَدٰاكُمْ وَ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ اَلضّٰالِّينَ 1.
أي ليس عليكم ذنب و حرج و إثم في أن تطلبوا، فحذف حرف الجرّ عن «أن» قياسا فهو مع ما بعده منصوب بنزع الخافض و «فضلا» مفعول «تبتغوا» أي عطاء و رزقا بالتّجارة، قيل كان المسلمون يتأثّمون التجارة في الحجّ في أوّل الإسلام لزعمهم أنّ التّجارة، تنافي الحجّ، و هي فعل الجاهليّة، فرفع اللّه سبحانه بهذه الآية الإثم عنهم بالتجارة، و قيل: كانوا يتأثّمون الأجرة في الحجّ فرفع ذلك، و على التقديرين الآية صريحة في عدم المنافاة بين الحجّ و التجارة و أخذ الأجرة معه، فلا يتخيّل أنّه مناف للإخلاص، و لا منافاة، فإنّه يقصد بفعل الحجّ القربة و بما هو خارج عنه تحصيل المال، فانّ العمل الّذي يستحقّ به الأجرة مثل