267كما أنّ في تنكير «خير» و ذكر «ما» الموضوعة للعموم و الإبهام ثمّ البيان، و ذكر لفظ اللّه المستجمع لجميع الصفات دلالة على ذلك.
و قال في الكشّاف: حثّ اللّه على الخير عقيب النهي عن الشرّ و أن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن منه، و مكان الفسوق البرّ و التقوى، و مكان الجدال الوفاق و الأخلاق الجميلة، أو جعل فعل الخير عبارة عن ضبط أنفسهم حتّى لا يوجد منهم ما نهوا عنه و ينصره قوله «وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ اَلزّٰادِ اَلتَّقْوىٰ» أي اجعلوا زادكم إلى الآخرة اتّقاء القبائح فإنّ خير الزاد اتّقاؤها، و التعميم أولى، أي تزوّدوا لمعادكم التّقوى، و هو كما مرّ فعل الطّاعات و ترك المعاصي، فإنّه خير الزاد، أي خير من كلّ زاد، و لا يبعد جعل الخطاب لعموم المكلفين و كأنّه ذكر هنا لأنّ الحاجّ لا بدّ أن يأخذ زادا لسفر قصير، فأخذ الراد للأمر البعيد أحقّ و أولى، و بيّن وجوب أخذه بأنّه التّقى أو أنّه لمّا يأخذ الراد فيتّكل عليه، فأمره بأخذ خير الزاد، فإنّه لو أخذ ذلك الزاد و لم يأخذ التقوى يهلك بالجوع إمّا ظاهرا في الدنيا بأن يفوت منه في الطريق سريعا فيبقى بلا زاد أو حقيقة في الآخرة فإنّه إذا فعل المعاصي يهلك جوعا يوم القيامة بمعنى عدم انتفاعه بزاد الحجّ في الآخرة.
فلا يبعد أن يكون إشارة إلى صرف الزاد إلى المحاويج، من المأكل و المشرب و المركب ممّا يحتاج إليه المحاويج، بحيث لا يصير إهلاكا لنفسه و إلقاءها إلى التهلكة، و الاعتماد على زاد اللّه الّتي هي الزّاد الحقيقيّ دون غيرها من المطعم الفاني الّذي في معرض التلف مع وجوده، لاحتماله العدم بالمرّة في الحال، و قيل: نزلت في أهل اليمن كانوا يحجّون و لا يتزوّدون و يقولون: نحن متوكّلون فيكونون كلا و عيالا و ثقلا على الناس فأمروا أن يتزوّدوا و يتّقوا السّؤال، و التثقيل عليهم 1.