263و مثّل بقولك صلّيت يوم الجمعة و يوم العيد و إنّما صلّيت في جزء منهما، و فيه تأمّل واضح إذ الفرق بينهما ظاهر لأنّه جعل في المثال السّنة ظرفا للرّؤية، و يوم الجمعة للصّلوة، و ظرفيّة الزمان لفعل لا يستلزم وقوعه في كلّ ذلك الزمان عرفا كما في المكان مثل قولك جلست في بلد كذا، و في محلّة كذا، و سوق كذا، ممّا لا يتناهى و فيما نحن فيه جعل شهر ذي الحجّة خبرا عن وقت الحجّ كأنّه قال: زمان الحجّ شهر ذي الحجّة و هو في هذا المقام ظاهر في غير ذلك المعنى، ففي الأوّل لا مسامحة بخلاف الثاني، نعم لو مثّل بقوله يقال: وقت رؤيتي سنة كذا لكان مثله في المسامحة، على أنّه قد يتسامح فيه لظهور المراد دونه، فانّ المتبادر منه لا أقل صحّة بعض أفعال الحجّ في أيّ زمان كان.
و قال القاضي: و هي شوّال و ذو القعدة و تسع ذي الحجّة بليلة النحر عندنا و العشر عند أبي حنيفة و ذو الحجّة كلّه عند مالك، و بناء الخلاف أنّ المراد بوقته وقت إحرامه أو وقت أعماله و مناسكه، أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك فانّ مالكا كرّه العمرة في بقيّة ذي الحجّة و أبو حنيفة و إن صحّح الإحرام به قبل شوّال، فقد استكرهه، و فيه تأمّل إذ الظاهر أنّه لا يصحّ تأخير الإحرام إلى وقت يتيقّن فوت عرفة، فانّ الوقوف بها ركن إلاّ أن لا يكون عندهم كذلك و أيضا يصحّ بعض المناسك بعد يوم النحر، و أيضا يلزم كراهة العمرة بل جميع المناسك سوى الحجّ في هذه الشهور كلّها بناء على قول مالك و أيضا كراهة الإحرام بالعمرة عند مالك لا يستلزم القول بأنّ طول ذي الحجّة كلّه شهر الحجّ بمعنى أن لا يحسن غيره فيه.
و لا يكون وجها لقول مالك كما قاله في الكشّاف: قالوا وجهه أنّ العمرة غير مستحبّة فيها عند عمر و ابن عمر فكأنّها مخلصة للحجّ لا مجال فيها للعمرة، و عن عمر أنّه كان يخفق الناس بالدرّة و ينهاهم عن الاعتمار فيها، فان الظاهر من شهر الحجّ وقوعه فيه لا كراهة وقوع غيره فيه، نعم لو كان حراما عنده لكان مناسبا في الجملة مع أنّ قول عمر ليس بحجّة فإنّ قول الصحابي ليس بحجّة و أيضا لا وجه