146كلها قبلة بالذات بل المراد هو ان الكعبة وحدها قبلة و لا غير لا الحرم قبلة و لا المسجد الحرام قبلة لأحد اصلا و كذا الجهة و السمت ليس قبلة لأحد ابدا بل القبلة الوحيدة للإحياء و الاموات هى الكعبة لا غير الا ان صدق الاستقبال يختلف باختلاف الموارد فالاستقبال مختلف حسب اختلاف الموارد لا ان القبلة متعددة و ان كان الحق هو ان البعد الخاص و الحيز المخصوص الذى شغلته الكعبة هو القبلة من تخوم الارض الى عنان السماء لا ان الجرم الخاص و البناء المخصوص قبلة بذاته حتى يلزم فقد القبلة عند هدم الكعبة بالسيل او الزلزلة او غير ذلك.
و كيف كان فحرمة البلدة التى حرمها اللّه الذى له كل شيء بحرمة الكعبة الا ان حرمة الكعبة و عزتها لا لأنها احجار خاصة بل لأنها قيام الناس بالقسط الذى هو الهدف السامى لبعثة الانبياء و لأنها قبلة للعباد و مطاف للحجاج و يكون مدارا لبقاء الدين الالهى ما بقيت «لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة» فمن ارادها بسوء و شاء ان يزيل الدين بهدم الكعبة و يميت العبادة بتخريبها و يمحو الطواف و الزيارة بقلعها و يمحق القيام بالقسط بازالتها و بالجملة فمن يرد فيها بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ يذقه اللّه بعذاب أليم لا يبقى و لا يذر، أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحٰابِ اَلْفِيلِ أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبٰابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجٰارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ .
و لم يكن ذلك نادرة اتفاقية او صدفة تاريخية او بارقة خاطفة تظهر طول الدهر مرة و ينمحى اخرى بل هى سنة الهية لا تجد لها تبديلا و لا تحويلا حسب ما اسسه القرآن الكريم على النهج القاطع العالم و الحكم الالهى الدائم انه مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ . و هذا كالتعهد الالهى في صيانة القرآن الكريم عن التحريف و قال «إِنَّهُ لَكِتٰابٌ عَزِيزٌ لاٰ يَأْتِيهِ اَلْبٰاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاٰ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ